• لبنان
  • الجمعة, تشرين الثاني 28, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 2:28:11 ص
inner-page-banner
من صفحات التاريخ

معركة فارنا: الانتصار الذي مهد لسقوط القسطنطينية

بوابة صيدا

في العاشر من تشرين الثاني / نوفمبر عام 1444م، على شواطئ البحر الأسود، شهدت سهول مدينة فارنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، لم تكن مجرد معركة عابرة، بل كانت المواجهة التي ستقرر مصير قارة بأكملها.

هناك، حيث اصطدمت جيوش الدولة العثمانية بقيادة السلطان مراد الثاني بأضخم تحالف صليبي بزعامة الملك الشاب فلاديسلاوس الثالث، كان المشهد مهيأً إما لانكسار المد العثماني في أوروبا، أو لتدشين عصر جديد من الهيمنة.

لم يكن انتصار العثمانيين في ذلك اليوم مجرد إضافة أخرى إلى سجل انتصاراتهم، بل كان المفتاح الاستراتيجي الذي فتح الأبواب أمام أعظم إنجازاتهم على الإطلاق.

هذه هي قصة المعركة التي كسرت شوكة أوروبا، ومكنت السلطان محمد الفاتح لاحقاً من حشد كل طاقته نحو القسطنطينية، لتسقط بعد تسع سنوات فقط، وتُطوى آخر صفحة من صفحات الإمبراطورية الرومانية.

معركة فارنا هي معركة كبرى وقعت بين قوات الدولة العثمانية بقيادة السلطان مراد الثاني، وتحالف صليبي بقيادة فلاديسلاوس الثالث ملك بولندا والمجر، ويانوش هونيادي القائد العسكري المجري. انتهت المعركة بانتصار ساحق للعثمانيين ومقتل الملك فلاديسلاوس، مما وضع حدا لأمال الصليبيين في طرد العثمانيين من أوروبا.

قبل معركة فارنا، حقق التحالف الصليبي بقيادة هونيادي سلسلة من الانتصارات، أبرزها في معركة نيش، مما شجعهم على المضي قدماً.

كان السلطان مراد الثاني قد وقع هدنة مع المجر "هدنة سيجيدين" لمدة 10 سنوات. وأقسم ملك المجر على الإنجيل والسُلطان مراد الثاني على القُرآن الكريم على عدم مُخالفتهما شُرُوط هذا الصُلح ما داما على قيد الحياة. لكن البابا في الكنيسة الكاثوليكية وحلفاءه شجعوا الملك الشاب فلاديسلاوس على خرق الهدنة والهجوم على العثمانيين، معتمدين على نجاحات هونيادي الأخيرة ووعدهم بدعم بحري من البندقية.

حنث الملك الصليبي باليمين الذي أقسمه على الإنجيل ولم يُنفذ بنود معاهدة الصلح وغدَرَت الدول الصليبية بأن حشدوا جيوشهم بدون إعلان حرب أو إلغاء للمعاهدة وساروا قاصدين مدينة ڤارنا الواقعة على ساحل البحر الأسود في بلغاريا يُذبِّحون في طريقهم المسلمين الآمنين بالصلح في المدن والقُرى الواقعة على مسار الجيش، كي يلتقوا بالسفن الصليبية عند ڤارنا ويستقلونها ثم يُباغتوا أدرنة عاصمة الدولة العثمانية، إلا أن خبرهم بلغ السلطان مراد الثاني فأسرع بتعبئة ونقل القوات عبر المضيق البحري في سباق مع الزمن ولحق بالصليبيين عند مدينة ڤارنا قبل أن يلتقوا السفن الصليبية وحَصَرَهُم فلم يستطيعوا الانسحاب.

في يوم «الخميس» 28 رجب 848هـ الموافق في 10 تشرين الثاني /نوڤمبر 1444م، اتخذ الجيش الصليبي موقعاً دفاعياً قوياً بين بحيرة فارنا وهضبة مطلّة على البحر بالقرب من مدينة ڤارنا البلغارية الواقعة غرب البحر الأسود ، مما حمى جناحيه، و نشروا عرباتهم الحربية كحصن متنقل في المقدمة.

شن السلطان مراد هجمات متتالية بفرقته غير النظامية لاستنزاف قوات الصليبيين، لكن هونيادي صدها بنجاح.

قاد هونيادي هجوماً مضاداً عنيفاً بفرسانه، وكاد أن يخترق القلب العثماني ويهدد موقع السلطان مراد نفسه.

شاهد الملك فلاديسلاوس (البالغ من العمر 20 عاماً) معركة هونيادي الناجحة وقرر قيادة هجوم مباشر بفرسانه المختارين نحو السلطان مراد الثاني شخصياً، محاولاً قتله وإنهاء المعركة بضربة واحدة، ما يعرف بـ "هجوم الفرسان".

اخترق فلاديسلاوس الخطوط الأمامية، لكن فرسانه وقعوا في فخ وتم تطويقهم من قبل الإنكشارية العثمانية. في الاشتباك، قُتل حصان الملك، وسقط على الأرض، فقطع أحد الجنود الإنكشاريين رأسه. رفع الرأس على رمح، مما أسقط المعنويات الصليبية.

مع مقتل قائدهم الملك، دب الذعر في صفوف الصليبيين وبدأوا في الفرار. حاول هونيادي تنظيم انسحابهم ولكن دون جدوى، واضطر هو نفسه للهرب لإنقاذ حياته.

أنهى هذا الانتصار أي أمل جدي للممالك المسيحية في طرد العثمانيين من البلقان لعدة قرون قادمة، و أنهى انتصار فارنا التهديد الأوروبي الموحد من الغرب.

لم تُشارك الإمبراطورية البيزنطية بجنودها في معركة ڤارنا ضد العثمانيين خوفًا من ضياع مدينة القسطنطينية إذا فقدت جنودها في المعركة، وكانت القسطنطينية هي آخر ما تبقى لهم من أملاك. ولكن كنتيجة لهذه المعركة، قوي موقف العثمانيين في شبه جزيرة البلقان وعانى الصليبيون المنهكون من هزيمة أخرى عام 1448م في معركة كوسوفو الثانية، منعتهم من محاولة استعادة شبه الجزيرة من الدولة العثمانية، فتمهّد بذلك الطريق إلى فتح القسطنطينية عام 1453م بعد معركة ڤارنا بتسع سنوات، وفتحها السلطان اليافع محمد الثاني ابن السلطان مراد الثاني، فتلقَّب بالفاتح.

ظلت الدولة العثمانية بعد نصرها الساحق آمنة لعدة عقود من أية محاولات أخرى جادة لطردها من أوروپا، وكانت تلك المعركة هي آخر محاولة في القرون الوُسطى لدفع العثمانيين خارج جنوب شرق أوروپا

 

ـــــــــــــ

إقرأ ايضاً:

مذبحة نيلي.. العصابات الهندوسية تقتل 5 آلاف مسلم

أزمة الرهائن الأمريكان في إيران

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة