بوابة صيدا
الـ 444 يوماً التي هزت أمريكا.. لم تكن مجرد أزمة دبلوماسية عابرة، بل كانت محنة استمرت 444 يوماً، اخترقت خلالها مشاهد الحقد أقوى دولة في العالم، لتحفر أحداثها أحد أعمق الجروح في الذاكرة الأمريكية.
في تشرين الثاني / نوفمبر 1979، قلب حشد من الطلاب المشهد الدولي رأساً على عقب باقتحامهم السفارة الأمريكية في طهران، محولين حصانة البعثة الدبلوماسية إلى أقفاص لـ 53 دبلوماسياً وموظفاً أمريكياً. لم يكن الاحتجاز مجرد رد فعل على استضافة الولايات المتحدة للشاه المخلوع، بل كان إعلاناً صارخاً عن ولادة نظام جديد في إيران، يرفع شعار "الموت لأمريكا" ويوحد شعبه خلف قضيته.
من غرف المكتب البيضاوي، شاهد الرئيس جيمي كارتر الأزمة تتحول إلى كابوس يطارده يومياً، بينما فشلت العقوبات والدبلوماسية والعملية العسكرية السرية في إنهاء المأزق. كانت الصور اليومية للرهائن المربوطي الأعين، والغضب العاجز لواشنطن، وقوة إرادة طهران، فصولاً من دراما سياسية أطاحت برئيس، وغيّرت خريطة التحالفات العالمية، ولا تزال ظلالها تلوح في العلاقات المتوترة حتى يومنا هذا.
كانت الولايات المتحدة (وكالة المخابرات المركزية) وبريطانيا وراء الانقلاب الذي أطاح برئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطيًا، "محمد مصدق" في عام 1953م والذي كان قد أمم صناعة النفط الإيرانية.
وأعاد الانقلاب الشاه "محمد رضا بهلوي" إلى السلطة، مما جعل الولايات المتحدة تبدو في أعين الكثير من الإيرانيين كقوة استعمارية تتدخل في شؤونهم.
حكم الشاه بإسلوب قمعي بمساعدة جهاز المخابرات السافاك. على الرغم من برامج التحديث والتصنيع "الثورة البيضاء" إلا أن نظامه كان دكتاتوريًا وقمع الحريات وانتشر فيه الفساد.
دعمت الولايات المتحدة الشاه بشكل كامل طوال فترة حكمه، وزودته بأسلحة متطورة، ورأت فيه حليفًا استراتيجيًا في منطقة الخليج خلال الحرب الباردة.
قادت الاحتجاجات الشعبية الواسعة بقيادة مؤيدين لـ "آية الله الخميني" إلى الإطاحة بالشاه، و في 16 كانون الثاني / يناير 1979م (18 صفر 1399هـ) أرغم على مغادرة إيران.
حاول الشاه اللجوء إلی عدة بلدان (مصر والمغرب والولايات المتحدة والمكسيك وبنما وغيرها)، إلا أن ذلك لم يحصل، لأسباب سياسية، إلى أن أرسل له الرئيس المصري أنور السادات طائرة خاصة للعودة به إلى مصر.
في 19 تشرين الأول / أكتوبر 1979م (28 ذو القعدة 1399هـ) وافقت الإدارة الأميريكية على دخول الشاه إلى أراضيها، بزعم أن وضعه الصحي حرج للغاية، وانه يحتاج للرعاية الطبية الملائمة.
طالبت إيران بإعادته لمحاكمته على جرائم اتهم بارتكابها في عهده؛ فقد اتُهم بارتكاب جرائم ضد مواطنين إيرانيين بمساعدة شرطته السرية.
رفضت الولايات المتحدة المطالب الإيرانية، ورأت إيران في قرار منحه حق اللجوء تواطؤًا أمريكيًا في ارتكاب تلك الفظائع.
وكانت هذه الشرارة التي أشعلت الأزمة، فقد نظر الإيرانيون إلى هذه الخطوة على أنها دعم لنظام الشاه وتمهيدًا لانقلاب آخر.
في 4 تشرين الثاني / نوفمبر 1979م (14 ذو الحجة 1399هـ) قام طلاب مؤيدين للثورة، بمهاجمة السفارة الأمريكية في طهران، وكان موظفو السفارة يحاولون تدمير الوثائق، لكن سرعان ما دخل المهاجمون إلى المبنى، فصادروا معظم الوثائق. واحتجزوا 53 أميركياً من العاملين في السفارة كرهائن مطالبين الولايات المتحدة بتسليم الشاه لمحاكمته.
كما شملت مطالبهم اعتذار الحكومة الأمريكية عن تدخلها في الشؤون الداخلية لإيران، بما في ذلك الإطاحة برئيس الوزراء محمد مصدق في عام 1953م، إضافة إلى الإفراج عن الأصول الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة.
من جانبها أكدت الولايات المتحدة أن الشاه جاء إلى أمريكا لتلقي العناية الطبية، و وصف الرئيس الأمريكي جيمي كارتر احتجاز الرهائن بأنه «ابتزاز» ورأى أن الرهائن «ضحايا الإرهاب والفوضى».
و عدّ الأمريكيون احتجاز الرهائن انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي، مثل اتفاقية فيينا، التي منحت الدبلوماسيين حصانة من الاعتقال وجعلت المجمعات الدبلوماسية غير قابلة للانتهاك.
بعد فشل محاولات الولايات المتحدة للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن قامت الولايات المتحدة بعملية عسكرية (مخلب العقاب) لإنقاذهم في 24 نيسان / إبريل 1980 (9 جمادى الآخرة 1400هـ) ولكنها فشلت وأدت إلى تدمير طائرتين ومقتل ثمانية جنود أمريكيين وإيراني مدني واحد.
بعد وفاة الشاه في 27 تموز / يوليو 1980م (15 رمضان 1400هـ) وبداية الحرب العراقية الإيرانية في 22 أيلول / سبتمبر 1980م (13 ذو القعدة 1400هـ)، أصبحت إيران أكثر رغبة في التفاوض.
فتم التوقيع على "اتفاقيات الجزائر" في 19 كانون الثاني / يناير 1981م (13 ربيع الأول 1401هـ) وتم الإفراج عن الرهائن الـ 53 في 20 كانون الثاني / يناير 1981م (14 ربيع الأول 1401هـ) في "اللحظة نفسها التي كان رونالد ريغان يؤدي فيها اليمين الدستورية" خلفًا لجيمي كارتر.
وكان من شروط الصفقة:
* موافقة الولايات المتحدة على عدم التدخل في الشؤون الإيرانية.
* رفع تجميد الأصول الإيرانية (حوالي 8 مليارات دولار) في البنوك الأمريكية.
* إنشاء صندوق لتعويض المطالبات الأمريكية ضد إيران.
ـــــــــــــ
إقرأ أيضاً
رهائن في القرية الأولمبية: لحظة توقف فيها العالم.. لأن السياسة قررت أن تتكلم... بالرصاص