بوابة صيدا
في عام 1936، وبين تلال بلعا المكسوّة بالزيتون والصخور، اشتعلت واحدة من أعنف المواجهات في تاريخ الثورة الفلسطينية الكبرى. لم تكن المعركة مجرد اشتباك مسلح، بل كانت لحظة تحدٍ بين إرادة شعبٍ أعزل، وإمبراطوريةٍ لا تعرف الرحمة.
في تلك الساعات العشر من القتال، تحوّل الجبل إلى بركان، وتحوّلت بلعا إلى رمزٍ للمقاومة. الطائرات البريطانية حلّقت فوق رؤوس الثوار، تقصف وتلاحق، لكن الأرض كانت تنطق بالعصيان، والرجال كانوا يردّون بالنار، لا بالكلمات.
قاد فوزي القاوقجي المعركة، ومعه رجالٌ لا يملكون سوى بنادق خفيفة، لكنهم حملوا في صدورهم ما هو أثقل من الرصاص: كرامة وطن، وغضب شعب، وحلم بالحرية.
هذه ليست قصة معركة فقط، بل قصة جبلٍ رفض أن ينحني، ونارٍ اشتعلت في وجه الإمبراطورية، لتقول للعالم إن فلسطين لا تُقهر... وإن بلعا كانت أول من صرخ.
معركة بلعا هي إحدى المعارك البارزة التي وقعت خلال ثورة فلسطين الكبرى (1936-1939). حدثت المعركة في 3 سبتمبر/أيلول 1936م (17 جمادى الآخرة 1355هـ) قرب قرية بلعا في محافظة طولكرم (شمال غرب الضفة الغربية حالياً)، بين المقاومين العرب والقوات البريطانية المدافعة عن قافلة يهودية.
تقع قرية بلعا في موقع استراتيجي على التلال الغربية لسلسلة الجبال الوسطى في شمال غرب الضفة الغربية، على ارتفاع حوالي 404 متر عن سطح البحر، وتتمتع بتضاريس جبلية مناسبة للعمليات العسكرية.
قام الثوار بمهاجمة قافلة يهودية تحت حماية بريطانية على الطريق بين طولكرم ونابلس. فجروا ألغاماً وأطلقوا النيران على القوات البريطانية.
اشتبك الطرفان في معركة شرسة استمرت حوالي 10 ساعات. استخدم البريطانيون الطائرات والدبابات والمدافع الثقيلة، بينما قاوم الثوار من مواقعهم في الجبال، وتمكنوا من إسقاط 4 طائرات بريطانية، وهو إنجاز نادر في تلك المرحلة.
وساهم سكان القرى المجاورة، بما فيهم النساء، بشكل فعال في دعم المجاهدين بـالماء والطعام والإسعافات وإعاقة تقدم القوات البريطانية.
انسحب الثوار بعد نفاذ الذخيرة، و أدت المعركة إلى سقوط 9 شهداء و8 جرحى من العرب، و تحدثت المصادر العربية ان: «العرب فقدوا القائد الدرزي محمود أبو يحيى و درزي آخر وشهيدان عراقيان وشهيدان دمشقيان وثلاثة من شرق الأردن، وجاءت أسماء الشهداء كما وثقها خضر العلي محفوظ كما يلي: خليل بدوية، الشيخ حوري الحلاق من حي الميدان في دمشق، عكاش من منطقة قبر عاتكة في دمشق، علي النعيمي من عرب الجولان، وظاهر ومفرج من عرب بني صخر، وحسين البنا، ومحمود أبو يحيى وغيرهم».
اما المصادر العبرية فتحدثت ان: «خسائر العرب كانت 9 شهداء وهم عراقيان ودرزيان وسوريان من دمشق وثلاثة آخرون، واضافت دفن ثلاثه من القادة بينهم محمود أبو يحيى في مقبرة قرية عنبتا، واعتبرت هذه المعركة من أكثر معارك فوزي القاوقجي نجاحاً».
كما سقط 4 قتلى لبريطانيا (بينهم ضابطان من سلاح الطيران) و6 جرحى..
رغم انسحاب الثوار، إلا أن المعركة اعتبرت نصراً معنوياً كبيراً للمقاومة، وأظهرت كفاءة تنظيمية وعسكرية ملحوظة، وقدرة على مواجهة قوة متفوقة.
بعد انتهاء المعركة قامت القوات البريطانية بالانتقام من سكان قرية بلعا، فهدمت 6 منازل فيها بحجة إطلاق النار منها على جنودها.
"عدد كبير من الثوار يقودهم فوزي بك القاوقجي القائد العسكري السوري المعروف" هذا ما عنونته جريدة "فلسطين" وفي شرحها لما حدث قالت: "ما بزغت شمس هذا النهار حتى كانت الجبال تعج بالثوار الذين الفوا جبهة حربية تمتد من نور شمس حتى شرق رامين وقد لوحظ ان الثوار كانوا منظمين تنظيماً عسكرياً اذ كانوا منقسمين إلى فرق هجوم وفرق دفاع ومرابطين في استحكاماتهم ومعهم الاسلحة النارية والمدافع الرشاشة والبنادق السريعة الطلقات وكان يقودهم البطل السوري المعروف القائد فوزي بك القاوقجي، ولما علمت السلطة بنبأ تجمع الثائرين ارسلت اليهم قوة كبيرة من الجند مصحوبة بالدبابات والمدافع الثقيلة والرشاشات وعند وصولها إلى مكانهم انصبت على الجند النيران كالمطر، واشتبك الفريقان في معركة هائلة جدا، تبودل فيها إطلاق العيارات النارية بكثرة، ودوت فيها القنابل، وكانت الطائرات تلقي قنابلها على الثوار بشدة، فكنا نشاهد الدخان يتصاعد من الجبال إلى السماء ونسمع دوي القنابل وازيز الرصاص من هنا، حتى حطمت قنابل المدافع اشجار الزيتون، وهشمت الصخور الكبيرة في الجبال، وقد اشتركت في القتال 15 طيارة القت على الثائرين القنابل بدون حساب وكانت تأتي طوراً إلى المدينة وتهبط في المطار لاخذ الذخيرة أو اصلاح ما طرأ عليها من عطب، أو تأتي لاعطاء الاشارات المختلفة للجند المرابط هنا، وكانت السيارات تروح وتغدو إلى مكان المعركة ملأى بالجند المسلح كما كانت سيارات الإسعاف تذهب وتعود حاملة المصابين، وقد شاهد الاهلون الذين هرعوا إلى خارج البلدة وراقبوا حركة القتال من مكان شاهق اربع طائرات سقطت احداها في مكان المعركة واحترقت وسقطت الثانية في جوار عنبتا واحترقت أيضا، وسقطت الثالثة في راس عامر والرابعة في المطار ويعزى سقوطها - كما قيل - إلى البنادق السريعة الطلقات التي استعملها الثوار ضدها وقد نقلت طائرتان إلى مطار الرملة بعد تفكيكهما....."
وفي البلاغ الرسمي الذي اصدرته الحكومة تحت رقم 244-36 قالت: "بينما كانت مفرزة من فرقة لنكولن شاير تأخذ مراكزها على طريق طولكرم- نابلس في ساعة مبكرة من صباح هذا اليوم أطلقت عليها النار بكثرة من الجبال من قبل عصابة مسلحة من العرب يقدر عدد أفرادها بين 40-50 رجلاً وقد تمكن الجنود بمساعدة الطائرات من إخراج المعتدين من مراكزهم ودحرهم إلى جهة بلعا وفي الوقت ذاته وصلت إلى موقع الحادث مفرزات من فرقة رويال «سكوتش» فيوزيليرز من نابلس كانت قد تعطلت عن السير من جراء سدود مقامة على الطريق بالقرب من رامين وأخذت الطائرات التي لحقت بالعصابة وهي مندحرة إلى ما وراء قرية بلعا تعمل عملها من الجو، وبعد ذلك تعقبت هذه المفرزات والطائرات العصابة من الجهة الشمالية الغربية من بلعا وفرقتها. ويأسف المندوب أن يعلن أن ضابط الطيران (هنتر) والطيار (لنكولن) قتلا عندما اضطرت طائرتهما إلى الهبوط من الجهة الغربية الجنوبية من بلعا في الأدوار الأولى من العمليات، ويأسف المندوب السامي أن يعلن أيضاً وفاة الامباشي (ويلكس) من فرقة (لنكولن شاير) متأثراً من جراحه وقد جرح ضابطان آخران وجنديان وكانت جراح أحد الضابطين خطرة والمعروف أنه قد قتل عشرة أشخاص من العرب والمعتقد أن ست إصابات أخرى قد وقعت من جراء أعمال الطائرات وعند نهاية العمليات العسكرية هدمت ستة بيوت في قرية بلعا أطلقت منها العيارات النارية على الجنود".
ــــــــــــ
إقرأ أيضاً
جمهورية مهاباد.. الدولة الأقصر عمراً في التاريخ.. أقلقت إيران.. فغزتها واحتلتها..