• لبنان
  • الاثنين, أيلول 08, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 2:44:39 ص
inner-page-banner
من صفحات التاريخ

رهائن في القرية الأولمبية: لحظة توقف فيها العالم.. لأن السياسة قررت أن تتكلم... بالرصاص

بوابة صيدا

في صباح الخامس من أيلول عام 1972، وبينما كانت أنظار العالم تتجه إلى ميونخ لمتابعة مهرجان الرياضة والسلام، تسللت السياسة إلى قلب الألعاب، لا عبر الخطابات، بل عبر فوهات البنادق. ثمانية رجال، ينتمون إلى منظمة "أيلول الأسود"، اقتحموا القرية الأولمبية، واحتجزوا أحد عشر رياضيًا إسرائيليًا، في عمليةٍ لم تكن مجرد اختطاف، بل إعلانًا صارخًا بأن القضية الفلسطينية لن تبقى على هامش الأحداث الدولية.

في تلك اللحظة، توقف العالم. توقفت الكاميرات عن تصوير السباقات، وتحوّلت المنصات من احتفالات إلى بيانات طوارئ. ميونخ، المدينة التي أرادت أن تمحو آثار ماضيها النازي، وجدت نفسها أمام مشهد جديد من الرعب، هذه المرة بلون سياسي، وبصوتٍ يطالب بالعدالة من قلب المأساة.

هذه ليست قصة رياضيين فقط، بل قصة عالمٍ واجه الحقيقة: أن لا مكان آمن حين تُهمّش القضايا، وأن حتى القرية الأولمبية قد تتحوّل إلى ساحة حرب.

في هذه السطور، نروي تفاصيل اللحظة التي تجمّد فيها الزمن، وتوقفت فيها الرياضة، لأن السياسة قررت أن تتكلم... بالرصاص.

في مطلع عام 1972م تقدم سعيد السبع (أبو باسل) رئيس المجلس الاعلي لرعاية الشباب الفلسطيني برسالتين إلى اللجنة الأولمبية الدولية يطلب فيها المشاركة بوفد فلسطيني في بطولة الألعاب الاولبية الا ان الحكومة الألمانية رفضت الطلب الفلسطيني. 

في تلك الفترة كان محمد داوود عودة (أبو داوود) وصلاح خلف (أبو أياد) قد فكّروا بالقيام بعملية مدوية للرد على عمليات الاغتيال وعلى القصف الإسرائيلي المتزايد لقواعد الفدائيين في لبنان وللفت انتباه العالم للقضية الفلسطينية.

في البداية، كان هناك تفكير للعمل ضد الموساد وأذرعه، ولكن جاءت عملية قتل غسان كنفاني في 8/ 7 /1972م (27 جمادى الأولى 1392هـ) لتحمل رسالة فهمها المسؤولون الفلسطينيون بأن الإسرائيليين يقتلون من يستطيعون الوصول إليه من القيادات الفلسطينية بغض النظر عن مهامه: عسكرية أم سياسية كما كانت مهمات غسان، لتجعلهم يفكّرون بعمل كبير يقول للإسرائيليين أن الفلسطينيين يستطيعون الوصول إليهم في الخارج.

فكانت عملية "ميونخ" أو ما عُرف باسم "عملية أيلول الأسود في أولمبياد ميونخ"

قام محمد داود عودة (أبو داوود) بزيارة ميونخ متنكراً بجواز سفر عراقي يحمل اسم "سعد الدين ولي" لدراسة الأرض وتفاصيل القرية الأولمبية.

و قام صلاح خلف (أبو إياد) شخصياً بتهريب الأسلحة إلى ألمانيا بمساعدة سيدة لبنانية تدعى "جولييت"، حيث تم إخفاء الأسلحة (8 كلاشينكوف) في حقائب مغطاة بملابس داخلية.

في حوالي الساعة 4 صباح يوم 5 أيلول / سبتمبر 1972م (27 رجب 1392هـ) تسلق الفدائيون السياج المحيط بالقرية الأولمبية بمساعدة غير مقصودة من رياضيين أمريكيين عائدين من سهرة ليلية.

لدى وصول أفراد المجموعة الفدائية الفلسطينية إلى القرية الأولمبية، كانت أبواب القرية مغلقة، وفي هذا التوقيت وصل أفراد من البعثة الرياضية الأمريكية وهم ثملين، وبدءوا في محاولة تسلق السياج، واختلط الفدائيون بالأمريكيين وساعدوا بعضهم بعضاً على تسلق السياج، بينما الجميع يضحك ويغني.

يقول أبو داوود واصفاً ذلك المشهد "كان المنظر خيالياً أن ترى هؤلاء الأمريكيين، الذين لا يشكّون بالطبع أنهم يساعدون مجموعة من فدائيي أيلول الأسود الفلسطينيين في الدخول إلى القرية الأولمبية، يمدّون أياديهم هكذا يأخذون حقائبنا المليئة بالأسلحة ويضعونها على الجهة الأخرى من السياج".

عند الساعة 8 صباحاً اقتحم المسلحون مبنى السكن الإسرائيلي في كونوليشتاسه 31. أثناء الاقتحام، واجههم يوسف غوتفروند (حكم المصارعة) وموشيه واينبرغ (مدرب المصارعة)، فأطلقوا النار على واينبرغ أثناء اشتباكه معهم، و تم احتجاز 9 رياضيين إسرائيليين كرهائن بعد مقتل اثنين أثناء الاقتحام (واينبرغ ويوسف).

طالب الخاطفون بالإفراج عن 236 معتقلاً في السجون الإسرائيلية معظمهم من العرب، بالإضافة إلى كوزو أوكاموتو من الجيش الأحمر الياباني وعضوي مجموعة بادر-ماينهوف الألمانية أولريكه ماينهوف وأندرياس بادر.

رفضت الحكومة الإسرائيلية برئاسة غولدا مائير المطالب، وأرسلت فريقاً من الموساد لتتبع الخاطفين.

وحاولت السلطات الألمانية التوصل إلى تسوية، ثم عرضت على الفدائيين توفير طائرة لنقلهم مع الرهائن إلى القاهرة، لكن العملية كانت فخاً لاستهدافهم.

نُقل الفدائيون والرهائن إلى قاعدة فورستنفلدبروك الجوية قرب ميونخ، و عند محاولة نقلهم إلى الطائرة، فتحت الشرطة والقوات الخاصة الألمانية النار في عملية فوضوية تفتقر للتخطيط، مما أدى لمقتل الرهائن الإسرائيليين التسعة، إضافة إلى 5 من الفدائيين الفلسطينيين الثمانية، وضابط شرطة ألماني، بينما أسر 3 فدائيين، لكن أُطلق سراحهم لاحقاً بعد خطف طائرة ألمانية من قِبل فلسطينيين.

بعد انتهاء العملية، أطلقت إسرائيل عملية "غضب الرب" تهدف لاغتيال ضد كل من اشتبه بتورطه في عملية ميونخ، حيث قامت فرق الموساد بملاحقة واغتيال العديد من القيادات الفلسطينية في مختلف العواصم الأوروبية.

كما انتقدت إسرائيل أداء الأجهزة الأمنية الألمانية، حيث قال "زفي زامير "رئيس الاستخبارات الإسرائيلية آنذاك إن الشرطة الألمانية "لم تبذل أدنى الجهود لإنقاذ الأرواح".

و بعد خمسين عاماً على العملية، توصلت ألمانيا وإسرائيل في عام 2022م إلى اتفاق تعويضات بقيمة 28 مليون يورو لعائلات الرياضيين الإسرائيليين القتلى..

 

ـــــــــــــ

إقرأ ايضاً

اغتيال مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد بعد إدانته جرائم النظام السوري في لبنان..

تسلل أعضاء من الجبهة الشعبية إلى بلدة معالوت الفلسطينية واحتجاز طلاب مدرسة عسكرية إسرائيلية للتفاوض عليهم

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة