بقلم حسان القطب ـ مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات ـ بوابة صيدا
السيادة على الوطن، تتضمن خطوات متعددة، وتتطلب السيطرة على الامن، والارض، وحماية المجتمع بكافة مكوناته، وتأمين حصانة الاقتصاد اللبناني، الذي يشكل دعامة التقدم والتطور والانطلاق نحو غدٍ افضل، وحرية الاقتصاد، وتحرره، من الضغوط الخارجية والتقلبات الدولية، والهيمنة الداخلية التي تتمثل في وضع القوانين الراعية لحماية رأس المال العام والخاص، والاستثمارات الخارجية، وكذلك ضمان حقوق المودعين اللبنانيين وغير اللبنانيين، التي تمثل واجباً على الدولة اللبنانية، وليس مجرد ابداء الحرص والتصرف بما يمكن او بالقدر المستطاع..
بعد سنوات عجاف، ومعاملة لا تليق بالمودع اللبناني وغير اللبناني، في قطاع المصارف، ومع تدهور الثقة بالقطاع المصرفي، وبمن يدير هذا القطاع، وبعد مشاورات كثيرة، وتسريبات اعلامية وسياسية ومالية عن وضع حلول اقل ما يقال فيها انها مجحفة وغير واقعية، اطلت علينا الحكومة بمشروع قانون معالجة ودائع المواطنين اللبنانيين وغير اللبنانيين في المصارف..
في نظرة اولية على هذا القانون، الذي نظم عملية اعادة عجلة اطلاق عمل المصارف، والسماح للمودعين باستعادة ودائعهم، ضمن الشروط والمهل والطريقة التي سمعناها من دولة رئيس الوزراء، مصحوباً بوزير المالية ياسين جابر رجل نبيه بري، ووزير الاقتصاد عامر البساط، وحاكم المصرف المركزي كريم سعيد، اللذين هبطا علينا من الولايات المتحدة الاميركية.. نتوقف عند التالي:
لم يتطرق مشروع القانون، الى اية وسيلة ممكنة للتحقق والتحقيق، في كيفية تراجع الوضع المالي والوصول الى مرحلة الانهيار الكامل..
لم تقدم لنا الحكومة، في مشروعها، اية توصية بمساءلة وزراء المالية السابقين، وهم من رجال وادوات نبيه بري، والذي يستكمل دوره من خلال الوزير ياسين جابر.. عن القرارات التي اتخذوها وبناءً على اية معطيات، حتى وصل الامر الى ما وصلنا اليه..
لم تلحظ الحكومة وحتى في مقدمتها التعريفية، اية معلومة او اشارة الى ما وصل اليه التحقيق مع حاكم المصرف المركزي السابق رياض سلامة.. وما قدمه من معلومات حول تعاونه مع وزراء المالية السابقين في رسم المسار المالي للبنان..
في النتائج والتداعيات:
إن عدم التأكيد على المساءلة والمحاسبة لا يخدم الاستقرار المالي ولا عودة الثقة..
ان النهوض الاقتصادي، واحياء الوضع المالي بعد الانهيار المدمر يتطلب تقديم وجوه جديدة في قطاع المالية.. والوزير ياسين جابر، يمثل السياسة القديمة التي انتهجها من سبقه من وزراء حركة امل في وزارة المالية.. ولذا فإن لا ثقة لنا كمواطنين سواء كنا مودعين ام لا، في السياسة المالية التي سوف يرسمها وزير المالية الحالية..
إن اعادة الثقة بالقطاع المصرفي هي اولوية، ولا نهوض وانتعاش وعودة دورة الحياة المالية الحقيقية دون الثقة بالقطاع المصرفي، وعملية تجزئة تسليم الودائع بالطريقة التي عرضت، لا توحي بالثقة او حتى بعودة الحركة المالية او التجارية الى سابق عهدها مطلقاً.
إن تقسيط الودائع بالطريقة التي اشار اليها مشروع القانون، سواء لصغار المودعين ام كبارهم، تؤكد ان الهدف هو اقتطاع جزء من اموال المودعين لتعويم خسائر الدولة، التي تسببت بها سياساتها الفاشلة وقرارات وزراء المالية السابقين الذين هم جزء اساسي من المنظومة الحاكمة، في الحكومات السابقة المتعاقبة وقد اشار حاكم المصرف المركزي السابق رياض سلامة الى مسؤولية الثنائي الشيعي والتيار الوطني اللذين كانا يهيمنان على السلطة طوال سنوات في الوصول الى الانهيار المالي.. (وعندما تم سؤاله عن مسؤولية الدولة في الانهيار الاقتصادي، أكد سلامة أنه لا يتحمل المسؤولية الكاملة عن ما حدث. وبيّن أن هناك عوامل كثيرة ساهمت في تفاقم الأزمة، لكن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الحكومة، مشيراً إلى أن حكومة الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر هي المسؤولة عن تبعات الانهيار. وأوضح أن القرارات التنفيذية التي أسهمت في تفاقم الأزمة كانت تقع في يد هذه الحكومة، وليس فقط في يد مصرف لبنان..)... و (تحدث سلامة أيضاً عن التأثير الكبير لـ الحرب السورية على لبنان، قائلاً إن خسائر لبنان الاقتصادية بسبب الحرب السورية تتراوح بين 25 إلى 30 مليار دولار، وهو عبء إضافي زاد من تعقيد الوضع الاقتصادي اللبناني..).. وهنا نذكر اللبنانيين بقرارات حكومة دياب التي تسلط عليها الثنائي والتيار وفرضها على اللبنانيين.. بتقديم الدعم للوقود والدواء والغذاء.. والفضائح التي برزت حينها حول خروج المواد المدعومة من لبنان الى الخارج وخاصةً لنظام البائد بشار الاسد..؟؟
(كما ذكر سلامة أن التيار الوطني الحر استغل أموال المودعين في حملاته الانتخابية، مما أضاف بعداً سياسياً آخر للأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان..)..
الاحاديث السابقة التي تواترت باستمرار عن (hair cut).. او اقتطاع اموال جزء من اموال المودعين وتحميلهم خسائر الدولة، يتم بطريقة احتيالية الان، من خلال التسديد بموجب سندات، وحينها سوف يتم بيعها دون قيمتها الفعلية من قبل الكثير من المودعين.. وهذا يعني تخليهم الطوعي عن جزء اساسي من ودائعهم، ولكن بارادتهم الحرة، وليس بقرار حكومي.. وهذه طريقة ملتوية غير مقبولة...
الخلاصة..
بناء على هذا نرى انه لا يمكن اعادة النهوض بالاقتصاد دون قطاع مصرفي موثوق به، مع استمرار هيمنة وزارء من منظومة الفساد التي اشار اليها الحاكم السابق، ومع ترسيخ سياسات تغطي الفاسدين وتمنع عنهم المساءلة والمحاكمة وكأن ما اصاب الاقتصاد اللبناني هو نتيجة اسباب طبيعية وليس نتيجة سياسات مالية لا يمكن ان نقول انها خاطئة بل مبرمجة لتدمير الكيان واستقراره ومستقبل ابنائه..