• لبنان
  • الأربعاء, تشرين الأول 29, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 4:07:45 م
inner-page-banner
من صفحات التاريخ

الدوايمة... الجمعة التي صلّت بالدم.. ونامت على المجزرة

بوابة صيدا

في ظهيرة يوم الجمعة، التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1948م (26 ذي الحجة 1367هـ)، وبينما كانت قرية الدوايمة تؤدي صلاتها في هدوء الريف الفلسطيني، اخترقت رصاصات الموت جدران المسجد، وبدأت واحدة من أبشع المجازر التي شهدتها فلسطين في ظل النكبة. لم تكن الدوايمة قرية مقاومة بالمعنى العسكري، ولم تُطلق فيها رصاصة واحدة على القوات الإسرائيلية، لكنها كانت شاهدة على جريمة تطهير عرقي نُفذت بدمٍ بارد، وبقرارٍ سياسي أراد أن يُفرغ الأرض من أهلها.

كتيبة الكوماندوز رقم 89، بقيادة موشيه دايان، دخلت القرية بعد صلاة الجمعة، وبدأت بإعدام جماعي للمدنيين، بينهم نساء وأطفال، داخل المسجد وفي منازلهم. وبينما كانت الشمس تغيب خلف تلال الخليل، كانت أرواح المئات تُزهق، بلا مقاومة، وبلا رحمة.

الدوايمة لم تكن مجرد مجزرة، بل كانت رسالة رعب إلى القرى المجاورة، ودليلًا مبكرًا على أن النكبة لم تكن فقط تهجيرًا، بل كانت إبادة ممنهجة.

اليوم، وبعد مرور أكثر من سبعة عقود، لا تزال الدوايمة تصرخ في ذاكرة التاريخ، تبحث عن عدالة غابت، وعن رواية تُكتب بدماء من صلّوا الجمعة الأخيرة في حياتهم.

في يوم الجمعة 29 تشرين الأول / أكتوبر 1948م (26 ذي الحجة 1367هـ) وفي سياق العملية العسكرية الإسرائيلية المعروفة باسم "عملية يوآف" وضمن سياسة التطهير العرقي التي اتبعتها القوات الإسرائيلية خلال حرب 1948م بهدف تهجير السكان الفلسطينيين من قراهم، هاجمت كتيبة الكوماندوز رقم 89 التابعة إلى اللواء الثامن في الجيش الإسرائيلي، وقد شَكَّلت من عناصر من منظمة البالماخ، بالإضافة إلى مساهمة أفراد من منظمات شتيرن والإرغون، بقيادة "موشيه ديان" هاجمت قرية الدوايمة الواقعة غرب مدينة الخليل.

ففي منتصف الليل حاصرت المصفحات الإسرائيلية القرية من الجهات كافة عدا الجانب الشرقي لدفع سكانها إلى مغادرة القرية إذ تشبثوا بالبقاء فيها رغم خطورة الأوضاع في أعقاب تداعي الموقف الدفاعي للعرب في المنطقة.

وقام المستوطنون بتفتيش المنازل واحداً واحداً وقتلوا كل من وجدوه بها رجلاً أو امرأة أو طفلاً، كما نسفوا منزل مختار القرية.

إلا أن أكثر الوقائع فظاعة كان قتل 75 شيخاً مسناً لجؤوا إلى مسجد القرية في صباح اليوم التالي وإبادة 35 عائلة فلسطينية كانت في إحدى المغارات تم حصدهم بنيران المدافع الرشاشة.

وبينما تسلل بعض الأهالي لمنازلهم ثانية للنزول بالطعام والملابس جرى اصطيادهم وإبادتهم ونسف عدد من البيوت بمن فيها وقد حرصت قوات الاحتلال على جمع الجثث وإلقائها في بئر القرية لإخفاء بشاعة المجزرة التي لم يتم الكشف عن تفاصيل وقائعها إلا عندما نشرت صحيفة حداشوت الإسرائيلية تحقيقاً عنها.

وذكر مختار القرية "حسن محمود هديب" في شهادته في رسالة بعثها أمين سر "مؤتمر اللاجئين العرب" في رام الله في 14 حزيران/ يونيو  1949م (18 شعبان 1368هـ) إلى لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين المجتمعة في لوزان بمشاركة الدول العربية المعنية وإسرائيل. وقد ذكر المختار في شهادته أنه عندما اقتحمت القرية سيارات إسرائيلية مصفحة وهي تطلق النار، ترجّل منها عدد من الجنود، فانتشروا في شوارع القرية وراحوا يطلقون الرصاص بشكل عشوائي على كل ما يتحرك. وفي حين التجأ كبار السن إلى المسجد، أخذ الأهالي بالفرار بمَن فيهم المختار نفسه. لكن هذا الأخير عاد إلى القرية مع بعض الأهالي في الليلة التالية لمعرفة مصير مَن خلّفوا وراءهم، فوجدوا في المسجد نحو 60 جثة تعود أكثريتها إلى كبار السن، وبينهم والده، وفي الشوارع أعداداً كثيرة من الجثث تعود لرجال ونساء وأطفال. ثم توجهوا الى كهف عراق الزاغ، فوجدوا على فم الكهف 85 جثة تعود هي أيضاً لرجال ونساء وأطفال.

ومن الجدير بالذكر أن المختار نفسه عاد وأدلى في سنة 1984 بشهادته إلى إحدى الصحافيات الإسرائيليات في صحيفة "حداشوت"، فذكر تفصيلات إضافية، منها أنه طُلب من القرويين الذين التجأوا إلى الكهوف واكتُشفوا من القوات المهاجمة، أن يبدأوا الاصطفاف في خط واحد والسير نحو الشرق، فجرى رميهم بالرصاص. وذكر أيضاً أن بعض الأهالي أتى في الليلة التالية لدفن الجثث في بئر.

وللتأكد من صحة المعلومات التي أدلى بها المختار حسن محمود هديب، اصطحبته الصحافية مع أربعة عمال إلى المكان الذي أشار إليه، فحفروا في البئر المقصودة. وهناك تم اكتشاف مجموعة من العظام البشرية وبقايا هياكل عظمية ملقاة فوق بعضها، منها ثلاث جماجم تعود إحداها لطفل صغير، وعندها توقف العمال عن الحفر. وعليه نشرت الصحافية مقالتها في 24 آب/ أغسطس 1984م (27 ذو القعدة 1404هـ) حسب ما جاء في الموسوعة الفلسطينية.

هناك أيضاً شهادة جندي إسرائيلي، سجّلها أحد أعضاء حزب "مبام" يدعى ش. كابلان ، وضمّها في رسالة وجّهها إلى رئيس تحرير الصحيفة الناطقة باسم الحزب، "عال همشمار"، في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 1948م (7 محرم 1368هـ) أي بعد 9 أيام من وقوع المذبحة. لكن الرسالة بقيت طي الكتمان إلى حين عثر عليها المؤرخ الإسرائيلي "بني موريس" وذكرها في كتابه عن ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الصادر سنة 1987. (نُشر النص الكامل للرسالة في صحيفة هآرتس سنة 2016).

يذكر الجندي أنه لم يكن هناك قتال أو مقاومة في الدوايمة، وأن الفوج الأول من المهاجمين قتلوا ما بين 80 و 100 عربي، وقاموا بتحطيم جماجم الأطفال بواسطة العصي. ثم قام فوج ثانٍ بمحاصرة مَن كانوا في بيوتهم، واستجلبوا خبراء متفجرات قاموا بتفجير المنازل على رأس من فيها.

ويروي الجندي كيف أن امرأتين مسنتين وضعتا في أحد المنازل وأمر أحد القادة زارع ألغام بتفجيره، وعلى الرغم من رفض زارع الألغام تنفيذ الأمر، فإن العملية نُفذت. وقصة امرأة كانت قد أنجبت حديثاً، استخدمها الجنود لتنظيف الفناء الخلفي حيث كانوا يتناولون الطعام قبل أن تُقتل مع طفلها.

ويتحدث ش. كابلان في رسالته، كيف كان يستمع على مدى أسبوعين إلى روايات جنود وقيادات يتباهون ببراعتهم في عمليات القتل والاغتصاب، وكيف أن هذه الأفعال كانت تُعتبر مهمة رائعة بالنسبة إليهم. واعترف أن حزبه كان في مأزق، إذ لم يكن من الوارد نشر المعلومات لأنها ستلحق الضرر بصورة الدولة. حسب ما جاء في الموسوعة الفلسطينية.

تختلف المصادر بشأن تحديد عدد دقيق لضحايا المذبحة، لكن التقديرات، استناداً إلى البيانات والتصريحات، تتحدث عن مئات الضحايا.

فقد أشارت تقارير في مركز شرطة الخليل، إلى مقتل نحو 200 من أبناء الدوايمة الذين احتموا في مسجد القرية ومعظمهم من كبار السن الذين لم يتمكنوا من الهرب.

أمّا الحامية المصرية في بيت لحم، فبلّغت قيادتها أن 500 من أبناء الدوايمة وقعوا ضحية المذبحة.

و أكد مختار القرية، أنه أحصى 455 ضحية، وقد سلم قائمة بأسماء الضحايا إلى الحاكم العسكري الأردني. كما ذكر أنه كان أيضاً عدد آخر من الضحايا من بين الذين كانوا قد التجأوا إلى القرية، ولكنه لم يستطع إحصاءهم.

بينما ورد في تقرير القنصل الأميركي في القدس، نقلاً عن أنباء وصلته، أن 500 – 1000 عربي قتلوا في الدوايمة، كما جاء في الموسوعة الفلسطينية..

أمّا بن غوريون، فقد تحدث عن شائعات بشأن قيام الجيش الإسرائيلي بقتل نحو 70-80 شخصاً.

و لم تُسجّل خسائر تُذكر في صفوف القوات الإسرائيلية، إذ لم تواجه مقاومة تُذكر من سكان القرية.

بعد المجزرة، تم تهجير من تبقّى من السكان، وأُقيمت مستوطنة إسرائيلية تُدعى أماتسيا على أنقاض القرية عام 1955.

 

ــــــــــ 

إقرأ أيضاً

سلاح البحرية الصهيوني يهاجم سفن أسطول الحرية المتوجه إلى قطاع غزة

الهاجاناة ترتكب مجزرة في حق سكان بلدة الشيخ بفلسطين  

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة