بوابة صيدا
في السادس من تشرين الأول / أكتوبر عام 1981م، وبينما كانت مصر تحتفل بذكرى انتصارها في حرب أكتوبر، جلس الرئيس محمد أنور السادات على منصة العرض العسكري، محاطًا بكبار القادة والضيوف، يلوّح للجمهور بفخر المنتصر.
لكن، لحظات مجده تحوّلت فجأة إلى فوضى دامية، حين اخترقت رصاصات صفوف الحرس، لتُسقط الرجل الذي قاد مصر في الحرب، وجرّأها على السلام مع إسرائيل او الاستسلام لإسرائيل.
لم يكن اغتيال السادات مجرد عملية عسكرية، بل كان انفجارًا سياسيًا عبّر عن عمق الانقسام داخل المجتمع المصري، بين من رأى فيه زعيمًا شجاعًا، ومن اعتبره طاغيةً خان القضية الفلسطينية، وضيّق على خصومه.
وفي لحظة رمزية، حيث امتزج النصر بالدم، كُتب فصلٌ جديد في تاريخ مصر الحديث، عنوانه: الزعيم الذي قُتل في يوم انتصاره، وعلى منصة مجده.
شارك الضابط أنور السادات في ثورة حركة الضباط الأحرار عام 1952م وأذاع بصوته بيان الثورة، وتدرّج حتى أصبح نائبًا للرئيس ثم خلف جمال عبد الناصر رئيسًا في 1970م. تميّز بشخصية قوية، صارمة..
في 6 تشرين الأول / أكتوبر 1973م (10 رمضان 1393هـ) استطاع الجيش المصري كسر خط بارليف وعبور قناة السويس فقاد مصر إلى أول انتصار عسكري على إسرائيل..
بتاريخ 19 تشرين الثاني / نوفمبر 1977م (8 ذو الحجة 1397هـ) اتخذ الرئيس السادات قراره بزيارة القدس المحتلة وذلك ليدفع بيده عجلة السلام بين مصر و إسرائيل.
وفي عام 1978م قام برحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التفاوض، وخلال هذه الرحلة وقع اتفاقية السلام في كامب ديفيد مع كل من الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيجن. والاتفاقية هي عبارة عن إطار للتفاوض يتكون من اتفاقيتين الأولى إطار لاتفاقية سلام منفردة بين مصر و إسرائيل والثانية خاصة بمبادئ للسلام العربي الشامل في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان.
بعد توليه الحكم، أفرج السادات عن الإسلاميين الذين سجنهم عبد الناصر في ما عُرف بـ"تنظيم 65"، وساعد في تنشيط "الجماعات الإسلامية" في الجامعات كقوة مضادة للناصريين واليساريين الذين اعتبرهم الخطر الأساسي على حكمه.
و مع تزايد نفوذ الجماعات الإسلامية ومعارضتها الشديدة لمعاهدة السلام مع إسرائيل وسياسة الانفتاح، تحولت العلاقة إلى صدام عنيف، و بدأ السادات يصف خصومه الإسلاميين بـ "الخوارج الجدد"، وبـ "الرجعية".
و كان السادات خصمًا لدودًا للتيار الناصري واليساري منذ البداية، لأنه رأى فيهم منافسين على السلطة وممثلين لعهد عبد الناصر الذي سعى للابتعاد عنه.
قام بـ "ثورة التصحيح" في أيار / مايو 1971 التي أطاح فيها بمراكز القوى الناصرية في الدولة.
و لم يتحالف السادات مع الشيوعيين أبداً، بل رأى في أفكارهم تهديدًا، خاصة مع تحالفه لاحقًا مع الولايات المتحدة وتبنيه لسياسة الانفتاح الرأسمالي التي تعارضها الأيديولوجية الشيوعية.
في أيلول / سبتمبر 1981م قامت الحكومة المصرية بحملة اعتقالات واسعة شملت علماء دين و أعضاء الجماعات الإسلامية ومسؤولي الكنيسة القبطية والكتاب والصحفيين ومفكرين يساريين وليبراليين ووصل عدد المعتقلين في السجون المصرية إلى 1536 معتقلاً، خوفاً من حدوث فتن واضطرابات شعبية رافضة للصلح مع إسرائيل، ولسياسات الدولة الاقتصادية..
في ظل هذا المناخ السياسي المتوتر، قررت مجموعة من الضباط الإسلاميين في الجيش المصري، المنتمين إلى تنظيم الجهاد الإسلامي تنفيذ عملية اغتيال السادات..
في 6 تشرين الأول / أكتوبر من عام 1981م (8 ذو الحجة 1401 هـ) (بعد 31 يوم من إعلان قرارات الاعتقال) أثناء حضوره عرض عسكري كان يقام بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر، دخلت مجموعة من الرجال المرتدين زياً عسكرياً، تقدّموا في مركبة (جيب) شاركت في العرض..
توقّفت المركبة أمام منصة العرض مباشرة. خرج الرجال من السيارة وألقوا قنابل يدوية نحو المنصة ومحيطها لزرع الفوضى وإحداث تشتّت بين الحراس. ثم تبع ذلك إطلاق نار كثيف تجاه المنصة.
أصيب السادات بعدة رصاصات، رصاصة في رقبته ورصاصة في صدره ورصاصة في قلبه مما أدى إلى وفاته، و أدت العملية إلى مقتل 11 شخصاً، و إصابة 28 آخرين..
تمت عملية الاغتيال في أربعين ثانية فقط، قام بها أربعة أشخاص، هم الملازم أول خالد الإسلامبولي ضابط عامل باللواء 333 مدفعية وقائد عملية الاغتيال، وعبد الحميد عبد السلام وهو ضابط سابق بالدفاع الجوي ويعمل في الأعمال الحرة، وعطا طايل، وهو ملازم أول مهندس احتياط، وحسين عباس وهو رقيب متطوع بالدفاع الشعبي وهو صاحب الرصاصات الأولى القاتلة.
بعد مقتله تولّى نائب الرئيس حسني مبارك الرئاسة، و أعلن مبارك وقيادته استمرار الالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وحظي بسرعة بدعم المؤسسة العسكرية والولايات المتحدة.
أعقب الاغتيال حملات واسعة من القمع، واعتقالات طالت أعضاء التنظيمات الإسلامية لكن أيضًا مثقفين ونشطاء سياسيين من مختلف الاتجاهات. وعززت الدولة قوانين الطوارئ والرقابة لضمان منع أي محاولة مشابهة. هذا وضع الأساس لسنوات طويلة (حتى انتهاء نظام مبارك) من التضييق الأمني والسيطرة على المعارضة.
في تشرين الثاني / نوفمبر 1981، اتُّهم 24 شخصًا رسميًا في قضية اغتيال السادات، التهمة الأساسية، القتل العمد والتخطيط المسبق، التآمر و التحريض، و تأليف الكتب (كمثال: "غياب الواجب" لمحمد عبد السلام فرّاج) التي قيل انه ألهم المنفذين..
و الاتهام أيضاً شمل تأمين الذخائر، الأسلحة، الدعم اللوجستي من خلايا ومن بعض الضباط الذين تركوا الخدمة قبل الاغتيال.
اعترف خالد الإسلامبولي بتنفيذ العملية، ودافع أن عمله كان من أجَل ما اعتبره سببًا دينيًا..
في 15 نيسان / أبريل 1982 نُفّذت أحكام الإعدام على خمسة من المدانين.
1. خالد الإسلامبولي: أُعدم بالميدان باستخدام طلقات نارية (فريق إطلاق نار)
2. حسين عباس محمد
3. عبد الحميد عبد السلام
4. عطا طايل
5. محمد عبد السلام فرّاج.
بقية المتهمين (الـ 19) وُجّهت لهم تهم مختلفة مثل التآمر، الإمداد، التحريض، المساعدة من بعيد.. نالوا أحكامًا بالسجن من مدد متفاوتة.
ــــــــــــ
إقرأ أيضاً
نزع حجاب النساء إلزمي في إيران..
معركة جالديران.. العثمانيون يسحقون الصفويين