بوابة صيدا
تُعدّ معركة جالديران في 23 أغسطس 1514م (22 جمادى الآخرة 920هـ) من المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، حيث شكلت نقطة تحول في موازين القوى بين الدولة العثمانية السنية و الدولة الصفوية الشيعية الاثني عشرية..
نشأت الدولة الصفوية على يد الشاه إسماعيل الأول الذي فرض المذهب الشيعي الاثني عشري بالقوة مذهباً رسمياً للدولة في إيران السنية، مستعيناً بقبائل القزلباش التركية ذات الميول العلوية، و احتل بغداد عام 1508م وفرض فيها المذهب الشيعي بالقوة أيضاً، وهدم ما كان فيها من قبور أئمة أهل السنة، وهدم مساجدهم، وذبح جماعة من علمائهم، فسرت شائعة في البلاد التركية بأن مذبحة عظيمة أصابت السنة ببغداد على يد الصفويين، كما مثّلت الدولة الصفوية الناشئة خطرًا متزايدًا على الدولة العثمانية، فقد عمل الشاه إسماعيل الصفوي على نشر المذهب الشيعي في الأناضول، مما أدى إلى تحريض القبائل التركمانية ضد الدولة العثمانية.
كما امتنع إسماعيل عن إرسال سفراء لتقديم التهاني للسلطان سليم الأول، بينما تواصل مع المماليك في مصر لدعوتهم للتحالف ضد العثمانيين، كما أقام الشاه إسماعيل علاقات مع القوى الأوروبية المعادية للعثمانيين، مثل البرتغاليين، مما زاد من قلق السلطان سليم الأول.
لقد أظهر البرتغاليُّون تودُّداً للشَّاه إِسماعيل قبل معركة جالديران، وفي رسالةٍ أرسلها «البوكرك» إِلى الشَّاه «إِسماعيل الصَّفوي» جاء فيها: "إِنِّي أقدر لك احترامك للمسيحيِّين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول، والجند، والأسلحة لاستخدامها ضدَّ قلاع التُّرك في الهند، وإِذا أردت أن تنقضَّ على بلاد العرب، أو تهاجم مكَّة؛ فستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدَّة، أو في عدن، أو في البحرين، أو القطيف، أو البصرة، وسيجدني الشَّاه بجانبه على امتداد السَّاحل الفارسي، وسأنفِّذ له كلَّ ما يريد".
ولكن قبل أن تبدأ الحرب، كتب السُّلطان سليم رسالة إِلى إِسماعيل الصَّفوي قال فيها: "…إِنَّ علماءنا، ورجال القانون قد حكموا عليك بالقصاص يا إِسماعيل! بصفتك مرتدَّاً، وأوجبوا على كل مسلمٍ حقيقيٍّ أن يدافع عن دينه، وأن يحطِّم الهراطقة في شخصك، أنت وأتباعك البلهاء، ولكن قبل أن تبدأ الحرب معكم، فإِنَّنا ندعوكم لحظيرة الدِّين الصَّحيح قبل أن نشهر سيوفنا، وزيادةً على ذلك فإِنَّه يجب عليك أن تتخلَّى عن الأقاليم الَّتي اغتصبتها منا اغتصاباً، ونحن حينئذٍ على استعدادٍ لتأمين سلامتك…".
وكان ردُّ إِسماعيل الصَّفوي على هذا الخطاب أن بعث للسُّلطان العثماني هديةً من الأفيون قائلاً: "إِنَّه اعتقد أنَّ هذا الخطاب كتب تحت تأثير المخدِّر".
وجاء في خطاب آخر أرسله يقول فيه: "أنا زعيم وسلطان آل عثمان، أنا سيد فرسان هذا الزمان، أنا الجامع بين شجاعة وبأس افريدون الحائز لعز الإسكندر، والمتصف بعدل كسرى، أنا كاسر الأصنام ومبيد أعداء الإسلام، أنا خوف الظالمين وفزع الجبارين المتكبرين، أنا الذي تذل أمامه الملوك المتصفون بالكبر والجبروت، وتتحكم لدى قوتي صوالج العزة والعظموت، أنا الملك الهمام السلطان سليم خان ابن السلطان الأعظم بايزيد خان، أتنازل بتوجيه إليك أيها الأمير إسماعيل، يا زعيم الجنود الفارسية... ولما كنت مسلما من خاصة المسلمين وسلطانا لجماعة المؤمنين السنيين الموحدين... وإذ أفتى العلماء والفقهاء الذين بين ظهرانينا بوجوب قتلك ومقاتلة قومك فقد حق علينا أن ننشط لحربك ونخلص الناس من شرك.."
مع ذلك لم يبد إسماعيل الصفوي حماسا للمعركة بسبب التفوق العددي، وحاول أن يتجنب ملاقاة العثمانيين فأرسل إليه بطلب الهدنة وتجديد علاقات السلم والصداقة بين الدولتين، فلم يقبل سليم وقتل الرسول وأرسل إليه برسالة إعلان الحرب بشكل رسمي يقول فيها وباللغة التركية: "إن كنت رجلا فلاقني في الميدان، ولن نمل انتظارك". وأرفقها بمجموعة من الألبسة النسائية والعطور وأدوات الزينة وذلك استهزاء بشخص الشاه لتهربه وتقاعسه من المسير إليه ويستعجله بالحرب، وهو ما حدا بالشاه إسماعيل بقبول التحدي وواعده بجالديران قائلا له: " وأنا أيضا أعد العدة للحرب".
قام السلطان سليم الأول بحملة تطهير واسعة ضد الشيعة الموالين للصفويين في شرق الأناضول، حيث قتل حوالي 40 ألفاً من القزلباش الشيعة لقطع دعم الجواسيس المحتملين، و عقد اجتماعاً في أدرنة (آذار / مارس 1514م) مع كبار رجال الدولة وأعلن ضرورة الجهاد ضد الصفويين، مستنداً إلى خطورة إسماعيل وتعدياته على حدود الدولة، فحصل على تفويض ديني من العلماء، وضمن الحياد النسبي من جيرانه الأوروبيين عبر اتفاقات دبلوماسية .
تحرك السلطان سليم على رأس جيش قوامه 140 ألف جندي (تشير بعض المصادر إلى أرقام بين 60 - 200 ألف) من أدرنة في آذار / مارس 1514م، متجهاً شرقاً نحو تبريز، وأثناء سيره واجه مقاومة من حلفاء الصفويين، فقضى عليهم، واستغل السلطان سليم الدعم الكردي بعد انشقاقهم عن الصفويين بسبب التمييز المذهبي، مما منحه معلومات استخباراتية حيوية .
حدثت المعركة في سهل جالديران (شرق الأناضول) الواقع حاليًا على الحدود بين تركيا وإيران، في 23 آب / أغسطس 1514م (22 جمادى الآخرة 920هـ).
قاد الجيش العثماني السلطان سليم الأول، بينما قاد الجيش الصفوي الشاه إسماعيل الأول.
احتل العثمانيون مواقع مرتفعة واستخدموا البنادق والمدفعية بشكل فعال ضد قوات القزلباش الشيعية التي اعتمدت على الهجمات التقليدية.
انهزم الجيش الصفوي في المعركة، و تكبد خسائر فادحة، وفرّ الشاه إسماعيل من المعركة بعد أن أُصيب، تاركاً زوجته التي وقعت في الأسر، فقام السلطان سليم الأول بإذلال الشاه إسماعيل عن طريق تزويجها لأحد كتابه.
دخل العثمانيون تبريز عاصمة الصفويين واستولوا على خزائنها، لكنهم انسحبوا لاحقاً بسبب تمرد الانكشارية وبرودة الشتاء، وأدت المعركة إلى وقف التوسع الصفوي لمدة قرن تقريباً.. وأصبح المذهب السني هو الغالب في آسيا الصغرى بعد أن كان الصفويون ينشرون التشيع بشكل قسري، و انحصر التشيع الاثني عشري بشكل رئيسي في إيران، مما عمق الانقسام المذهبي بين الإيرانيين وجيرانهم العرب والأتراك .
وكان من نتائج المعركة إضعاف الدولة الصفوية بشكل كبير، وتأمين حدود الدولة العثمانية الشرقية، مما سمح لها بالتوسع لاحقًا نحو المشرق العربي وشمال أفريقيا، و السيطرة على مناطق استراتيجية مثل شرق الأناضول، وديار بكر، وأجزاء من العراق، وأرمينيا، وكردستان، والسيطرة ايضاً على طريق الحرير، مما عزز من قوتهم الاقتصادية.
معركة جالديران لم تكن مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل كانت صداماً بين مشروعين سياسيين ومذهبيين متعارضين: مشروع عثماني سني.. ومشروع صفوي شيعي اثني عشري يحاول نشر التشيع في مناطق السنة..
(بوابة صيدا + ويكابيديا + مواقع التواصل)
ـــــــــــــ
إقرأ ايضاً
الأرمن يحاولون اغتيال السلطان عبد الحميد بعد خروجه من صلاة الجمعة