بوابة صيدا
في عام 1538م، وعلى مياه خليج أكتيوم قرب مدينة بريفيزا، اصطفت مئات السفن في مواجهة بحرية غير متكافئة، جمعت بين الأسطول العثماني بقيادة خير الدين بربروس (بربروسا)، والتحالف الأوروبي الصليبي بقيادة أندريا دوريا. ورغم الفارق العددي الهائل، لم تكن الغلبة لمن يملك العدد، بل لمن يُحسن قراءة البحر، ويُجيد فن المناورة، ويُؤمن بأن النصر يُصنع بالعقل قبل المدفع.
في غضون خمس ساعات فقط، قلبت معركة بروزة موازين القوى في البحر الأبيض المتوسط، وأعلنت بداية عصر الهيمنة العثمانية البحرية، الذي امتد لعقود.
لم تكن المعركة مجرد انتصار عسكري، بل كانت رسالة استراتيجية، مفادها أن البحر لم يعد ساحة أوروبية خالصة، بل أصبح جزءًا من المجال الإسلامي، تُبحر فيه الرايات العثمانية بثقة وسيادة.
هذه ليست قصة مدافع وسفن، بل قصة عبقرية بحرية، وشجاعة سياسية، وقرار غيّر وجه المتوسط... إلى الأبد.
بعد فتح القسطنطينية، وسع العثمانيون نفوذهم في البحر المتوسط. بقيادة خير الدين بربروسا، و أصبح الأسطول العثماني قوة لا يُستهان بها، و سيطرت البحرية العثمانية على طرق التجارة وهاجمت السواحل الإيطالية والإسبانية، مما شكل تهديدًا مباشرًا لدول أوروبا المسيحية.
و بتحريض من البابا بولس الثالث، تحالفت قوات كل من: الإمبراطورية الرومانية المقدسة (تحت حكم شارلكان) جمهورية البندقية، الدولة البابوية، فرسان مالطا، إسبانيا.. وكان هدف هذا التحالف هو سحق الأسطول العثماني واستعادة السيطرة على البحر المتوسط.
في 4 جمادى الأولى 945هـ الموافق 28 أيلول / سبتمبر 1538م، بدأت المعركة البحرية، كان الأسطول المسيحي أكبر حجمًا وأفضل تسليحًا، أكثر من 600 قطعة بحرية، منها 302 سفينة حربية كبيرة تحمل نحو ستين ألف جندي، ويقود هذا التحالف قائد بحري من أعظم قادة البحر في أوروبا هو "أندريا دوريا" من جنوة، لكنه كان يعاني من تعدد القيادات وعدم وجود تنسيق حقيقي بين قوات الدول المختلفة.
أما القوات العثمانية فتكونت من 122 سفينة تحمل عشرين ألف جندي بقيادة القائد البحري "خير الدين بربروسا".
استغل بربروس ضعف الرياح غير المواتية للأسطول المسيحي (الذي اعتمد على الأشرعة بشكل كبير)، و بدلًا من الدخول في مواجهة مباشرة مع الأسطول الضخم، استخدم بربروس تكتيك الكر والفر، حيث كان يحيط بالسفن المعزولة للعدو ويدمرها واحدة تلو الأخرى.
فشل أندريا دوريا في فرض معركته، ومع خسارته لعدة سفن وإصابته بالارتباك، قرر الانسحاب تاركًا بعض سفنه عرضة للهجوم.
استمرت المعركة حوالي خمس ساعات، وانتهت بانتصار ساحق للعثمانيين، وتم تدمير 13 سفينة أوروبية، و أسر 36 سفينة و3000 جندي..
أما خسائر العثمانيين فكانت شبه معدومة.
مثّلت معركة بروزة نقطة تحول استراتيجية، حيث أصبحت الدولة العثمانية القوة البحرية الأولى في البحر المتوسط. و أجبرت القوى الأوروبية على عقد اتفاقيات تهدئة، وأعادت رسم خريطة النفوذ البحري، لصالح إسطنبول.
و أدى الفشل الذريع إلى انهيار "الرابطة المقدسة" و نشبت الخلافات بين أعضائها، خاصة بين البندقية وإسبانيا.
البندقية، التي كانت تملك مصالح تجارية وبحرية هامة في شرق المتوسط، كانت تخشى من المزيد من الهجمات العثمانية، فدخلت في مفاوضات للسلام مع السلطان العثماني لكي تحمي ممتلكاتها.
في تشرين الأول / أكتوبر 1540م تم توقيع معاهدة بين البندقية والدولة العثمانية، والتي أدّت إلى تنازلات واسعة من البندقية، فقد خسرت بعض ممتلكاتها الاستراتيجية في شبه جزيرة البيلوبونيز، ودلماتيا، وكذلك الجزر في البحر الأيوني والأدرياتيكي، و اضطرت لدفع تعويض قدره 300000 دوكات ذهبي إلى العثمانيين كجزء من شروط المعاهدة.
استمرت الهيمنة العثمانية على البحر المتوسط حتى معركة ليبانتو عام 1571م، لكن معركة بروزة بقيت راسخة في الذاكرة كعصر ذهبي للبحرية الإسلامية.
ــــــــــــ
إقرأ أيضاً
جامع كتشاوة.. من مسجد إلى كنيسة.. صليبية فرنسا عبر التاريخ
الآمر بأحكام الله الفاطمي.. اضاع البلاد وظلم العباد.. ونهب الثروات
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..