• لبنان
  • الأحد, أيلول 28, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 10:05:10 م
inner-page-banner
من صفحات التاريخ

رصاصة في قلب الانتداب: اغتيال أندروز وبداية التصعيد الفلسطيني

بوابة صيدا

في عام 1937م، وبين أزقة مدينة الناصرة، دوّى صوت رصاصة لم يكن مجرد فعل مقاومة، بل إعلانًا صريحًا بأن الفلسطينيين لن يقبلوا أن يُدار وطنهم من خلف مكاتب الانتداب البريطاني. سقط لويس يلاند أندروز، الحاكم البريطاني لقضاء الجليل، برصاص مجموعة من الثوار، في عملية حملت رمزية عميقة، وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة من التصعيد في وجه الاحتلال والاستيطان.

لم يكن أندروز مجرد موظف إداري، بل كان أحد أبرز وجوه السياسة البريطانية في شمال فلسطين، وعرّابًا لتمكين المشروع الصهيوني من التمدد في الجليل. وجاء اغتياله في لحظة مفصلية، بعد إعلان لجنة بيل عن خطة تقسيم فلسطين، التي اعتبرها الفلسطينيون خيانة صريحة لتاريخهم وحقهم في الأرض.

هذه الرصاصة لم تستهدف رجلاً فقط، بل أصابت قلب المشروع الاستعماري البريطاني، وأشعلت فتيل مواجهة مفتوحة، دفعت سلطات الانتداب إلى الرد بقمع غير مسبوق، وتفكيك القيادة الوطنية الفلسطينية. وهكذا، تحوّل اغتيال أندروز من حادث أمني إلى منعطف تاريخي، غيّر مسار الثورة، وكشف أن فلسطين لن تُحكم بلا مقاومة.

كان لويس يلاند أندروز معروفًا بتطبيق سياسات قاسية ضد المتظاهرين الفلسطينيين خلال اندلاع الانتفاضة (1936 – 1939) وبإجراءات قمعية تجاه نشاطات المقاومة العربية، فاكْتسب عداءً واسعًا لدى قطاعات عربية في الجليل. 

شارك في تسهيل شراء أراضٍ لمشروعات استيطانية (مثل وادي الحولا) وشجّع بعض إجراءات حماية المستوطنات اليهودية، حتى نصح ببعض أشكال التنظيم الذاتي للدفاع اليهودي، ما جعله محلَّ استياء وغضب واسع بين السكان العرب المحليين.

كما نُسبت إليه مواقف مؤيدة لتقسيم فلسطين (تأييد بعض توصيات لجنة بيل ـ Peel Commission)؛ لذلك رآه البعض عدوًّا لمصالح العرب المحليين.

ارتبط بعمل لجنة بيل (Peel Commission) وبرنامج تقسيم فلسطين

تم اغتياله في يوم الأحد 26 أيلول / سبتمبر 1937م (22 رجب 1356هـ) عند خروجه من كاتدرائية القديس أندروز الاسكتلندية في مدينة الناصرة، حوالي الساعة 11:00 صباحًا... أطلقت عليه مجموعة من المسلحين المناصرين للشيخ عز الدين القسام النار من مسافة قريبة، مما أدى إلى مقتله على الفور. كما أصيب حارسه الشخصي، الضابط داود عيسى (مسيحي من صفد)، بجروح بالغة.

لم يكن الاغتيال حدثًا منعزلاً، بل جاء في ذروة ظروف سياسية متوترة للغاية:

ثورة فلسطين الكبرى (1936 - 1939): حدث الاغتيال في العام الثاني للثورة الفلسطينية المسلحة ضد الانتداب البريطاني والهجرة اليهودية.

إعلان الأحكام العرفية وقمع الثورة: في خريف 1937، شددت السلطات البريطانية قبضتها بشكل كبير على الثورة. فقد:

حلت اللجنة العربية العليا بزعامة الحاج أمين الحسيني (مفتي القدس) ونفت معظم أعضائها.

أعلنت الأحكام العرفية وفرضت قيودًا صارمة على الحركة والتجمع.

شنت حملة عسكرية واسعة لمطاردة المقاتلين الفلسطينيين، وخاصة في مناطق الشمال (الجليل) التي كانت معقلًا رئيسيًا للثورة، الأمر الذي أدّى إلى المزيد من المواجهات والعنف المتبادل بين فلسطينيين ويشوف/عصابات يهودية، ومع بريطانيا.

و كان حادث الاغتيال من العوامل التي أدّت إلى تآكل الثقة العربية بالمقاربة البريطانية، وزاد من إحكام السيطرة الأمنية، وفي المقابل عزّز تعاون بعض الجماعات اليهودية مع السلطات البريطانية لتعزيز أمن التجمعات الاستيطانية.

اغتيال أندروز شكّل نقطة تحول في الثورة الفلسطينية الكبرى، فقد كشف قدرة الثوار على استهداف رموز الاحتلال، لكنه أدى إلى تفكيك القيادة السياسية الفلسطينية، وإضعاف التنسيق بين الفصائل، ولكن، لم يُنهي المقاومة، بل استمرت، وأثخنت بالاحتلال البريطاني، والإسرائيلي، و لكن اغتياله فتح الباب أمام تصعيد بريطاني – صهيوني مشترك، تمهيدًا لقمع الثورة بالكامل بحلول عام 1939م.

وقد  أبرزت صحيفة  The Sydney Morning Herald الأسترالية في 9 تشرين الأول / أكتوبر 1937م (5 شعبان 1356هـ) تحت عنوان: "الاضطرابات في فلسطين":

"بالاستناد إلى آخر البرقيات، فإن الإجراءات الصارمة والنموذجية التي اتخذتها السلطات البريطانية في فلسطين ضدّ قادة القومية العربية (وصف لكل من يقاتل الاحتلال البريطاني) الأسبوع الماضي، عقب جريمة قتل الكابتن أندروز، مفوض المقاطعة الأسترالي المنشأ في الجليل، قد بدأ يظهر أثرها المطلوب. يُذكر أنه بعد موت الزخم الأولي الذي سببته جرأة الفعل، تتزايد التقارير بأن الأوضاع تصبح أكثر هدوءًا، وأن الإضراب العام المعلن بين العرب لم ينل دعمًا قويًا مستمرًا.

وأُفيد أن اللجنة العربية العليا تم حلّها فجأة، وعُزل المفتي الكبير من منصبه، وتم ترحيل عدد من قادة العرب الأكثر نفوذًا من البلاد.

إن قتل الكابتن أندروز شكّل تحديًا لا يمكن لأي حكومة تجاهله. فلفترة طويلة قام القوميون العرب بحملة لا هوادة فيها من الترهيب، الحرق، والقتل، والتي كانت تكاد أن تُنهك كل بنية القانون والنظام في فلسطين. وقد كانت هذه الحملة بقيادة اللجنة العربية العليا، وكان هدفها إسقاط الانتداب على فلسطين وطرد اليهود من “الوطن القومي” (وعد بلفور) الذي وعدتهم به بريطانيا.

خرجت الأوضاع من السيطرة العام الماضي إلى حدّ اضطراره لفرض قانون عسكري مؤقت، وإرسال قوات إضافية من إنجلترا لتدعيم الحاميات المحلية قبل أن تستعاد شروط الهدوء النسبي.

كانت جرائم القتل والحرق وغيرها من أعمال العنف قد ازداد التوجّه نحوها، ليس فقط ضد اليهود، بل كذلك ضد الآراء العربية المعتدلة في فلسطين (يقصد عملاء بريطانيا في الفلسطينيين). وقد استُخدمت كذلك الإجراءات القمعية من السلطات البريطانية لكبح العنف وفرض النظام".

 

ــــــــــــ

إقرأ أيضاً

حملة الرعاع الصليبية.. نقطة البداية للحروب الصليبية على المشرق الإسلامي

كمين "عين نطفيم" جندي مصري يجتاز الحدود ويقتل إسرائيليين 

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة