بوابة صيدا
في 26 تشرين الثاني / نوفمبر 1990م (9 جمادى الأولى 1411هـ) بينما كانت آلة السلام المصرية الإسرائيلية تدور ببطء، انفجر بركان بشري على حدود صحراوية هادئة. عند معبر "عين نطفيم" النائي، لم يكن الأمر مناورة عسكرية، ولا تبادلاً لإطلاق النار عن طريق الخطأ، بل كان قراراً فردياً مذهلاً قلب الموازين.
تخيل المشهد: جندي مصري واحد، هو حارس للحدود ومكلف بحماية خط السلام، يتحول فجأة إلى مصدر تهديد له. في خطوات غامضة، يتجاوز السياج الحديدي الفاصل، ويوجه سلاحه نحو جنود إسرائيليين، ليسقط 4 قتلى أو 21 قتيلا، في لحظات. لم تكن مجرد عملية انتقام، بل كانت أزمة سياسية ودبلوماسية كبرى كادت تعيد المنطقة إلى مربع الصفر.
لكن القصة لا تنتهي عند الرصاصات. فاللغز الحقيقي يبدأ بعدها: من هو هذا الجندي؟ وما الذي دفع به إلى هذه الخطوة؟ والأهم: كيف انتهت هذه القضية العاصفة بحكم مخفف، استناداً إلى "اصابته باضطراب نفسي"؟
هنا تتحول الحادثة من مجرد كمين دموي إلى رواية إنسانية معقدة، تختزل كل تناقضات السلام البارد، وتكشف كيف يمكن لفرد واحد، في لحظة انفعال واحدة، أن يهدد بزعزعة اتفاقيات تاريخية، وكيف تتعامل الدولة بدهاء بين تطبيق القانون وتبريد الأزمات.
في 26 تشرين الثاني / نوفمبر 1990م (9 جمادى الأولى 1411هـ) اجتاز أيمن محمد (مواليد 18 تشرين الثاني / نوفمبر 1967م (16 شعبان 1387هـ) في مدينة الزقازيق) العسكري في سلاح حرس الحدود المصري، اجتاز الحدود المصرية -الإسرائيلية فجراً، وكمن في مكان ما، ثم هاجم عدة مركبات إسرائيلية على طول الطريق 12 السريع.
وقع الهجوم بالقرب من عين نطفيم، ينبوع على بعد عدة أميال شمال غرب إيلات.
كان الهجوم الأول على شاحنة عسكرية ـ فارعة كما تقول سلطات الاحتلال ـ مما أدى إلى إصابة السائق وفراره، وبعد دقائق قليلة هاجم سيارة عسكرية ـ فارغة أيضا حسب مزاعم سلطات الاحتلال ـ مما أدى لمقتل الجندي الذي يقود السيارة..
ثم هاجم حافلة عسكرية ـ فارغة ايضاً من الركاب حسب مزاعم سلطات الاحتلال ـ مما أدى إلى مقتل السائق. وبعد ذلك دخلت آلية عسكرية إلى منطقة الكمين ـ فارغة أيضاً من الركاب ـ فقتل سائقها..
ثم أطلق النار على حافلتين تقلان عمالًا "مدنيين" _ حسب الرواية الإسرائيلية ـ إلى قاعدة عسكرية قريبة في عوڤدا، فأدى الهجوم إلى مقتل السائق، وإصابة عدد من الركاب، وتمكن حارس أمن في إحدى الحافلتين من إطلاق النار على أيمن محمد، فأصابه، مما اضطره إلى إنهاء هجومه، والعودة إلى داخل الحدود المصرية..
كان محصلة الهجوم مقتل اربعة إسرائيليين، حسب الرواية الإسرائيلية و 20 جريحاً..
ولكن، حسب رواية أيمن حسن، فقد نفذ هجومه رداً على إساءة جنود إسرائيليين للعلم المصري، وقيام الإسرائيليين بمذبحة المسجد الأقصى الأولى.
وقال أنه تمكن في الهجوم من قتل 21 ضابطاً وجندياً إسرائيلياً وجرح 20 آخرين.. بعد مهاجمة سيارة جيب وحافلتين إسرائيليين وعندما أصيب في رأسه عاد إلى الحدود المصرية ليسلم نفسه.
سلم أيمن محمد نفسه للسلطات المصرية، التي بدأت محاكمته في منتصف كانون الأول / ديسمبر 1990م (جمادى الآخرة 1412هـ)، وحكمت عليه في 6 نيسان / أبريل 1991م (21 رمضان 1411هـ) بالسجن لمدة 12 عاماً بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار..
وخلصت المحكمة إلى أنه كان يعاني من اضطراب نفسي (أو "نوبة هستيرية" حسب بعض التقارير) في لحظة الحادث. بناءً على ذلك، لم يُحكم عليه بالإعدام أو بالسجن لفترة طويلة، وتم احتجازه في مستشفى للأمراض النفسية.
من جانبه ألقى وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه أرينز باللوم بشكل غير مباشر على مصر بسبب سيطرتها الضعيفة على الحدود. وأضاف أن "إسرائيل تتوقع أن تتخذ مصر كافة الخطوات اللازمة للحفاظ على السلام على امتداد حدودها مع إسرائيل ومنع القتلة من الخروج من أراضيها".
وقال وزير الخارجية ديڤيد ليڤي لوسائل الإعلام "إنه وضع خطير للغاية يجب أن ينتهي. نتوقع أن يبذل المصريون كل ما هو ضروري لتقديم هذا الشخص إلى المحاكمة أولاً وقبل كل شيء". ثانياً، وضع حد لاستمرار مذبحة الإسرائيليين على الأراضي المصرية وعلى طول الحدود".
ــــــــــــــ
إقرأ أيضاً
جمهورية مهاباد.. الدولة الأقصر عمراً في التاريخ.. أقلقت إيران.. فغزتها واحتلتها..
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..