• لبنان
  • الأربعاء, أيلول 24, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 11:20:39 م
inner-page-banner
من صفحات التاريخ

1988م في لبنان: دولة بلا رئيس... وجيش على رأس الحكومة

بوابة صيدا 

في مساء 22 أيلول 1988م (11 صفر 1409هـ)، وقبل أن تنتهي ولاية الرئيس أمين الجميّل بدقائق، اتخذ قرارًا سيُدخل لبنان في واحدة من أكثر أزماته الدستورية تعقيدًا: إقالة الحكومة المدنية برئاسة الدكتور سليم الحص، وتعيين حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون.

هكذا، وجد اللبنانيون أنفسهم فجأة أمام حكومتين متوازيتين، تتنازعان الشرعية، وتتقاسمان مؤسسات الدولة، في بلدٍ لم يعد فيه رئيس، ولا دستور يُحتكم إليه، بل فقط قوة السلاح ومنطق التحالفات.

لم يكن القرار وليد لحظة، بل نتيجة تراكمات من الانقسام السياسي، والوصاية السورية، والتوتر الطائفي، ومحاولات يائسة لاستعادة السيادة. لكن ما جرى تلك الليلة لم يكن مجرد فراغ رئاسي، بل كان انفجارًا دستوريًا، جعل الجيش في موقع القيادة السياسية، وفتح الباب أمام صراع طويل انتهى بخروج عون من القصر... ودخول لبنان في عهد الطائف.

هذه ليست قصة حكومة، بل قصة بلدٍ وقف على حافة الانهيار، حين غاب الرئيس، ووقف الجيش في وجه التاريخ.

بعد مقتل الرئيس المنتخب بشير الجميل في 14 أيلول / سبتمبر 1982م (26 ذو القعدة 1402هـ)، تم انتخاب أمين الجميل رئيساً للجمهورية..

في أيار / مايو 1987م استقال رئيس الوزراء رشيد الكرامي، وبعد مقتله في 1 حزيران / يونيو 1987م (5 شوال 1407هـ) أصبحت الحكومة برئاسة سليم الحص تعمل كحكومة تصريف أعمال..

في 22 أيلول / سبتمبر 1988م (11 صفر 1409هـ) فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، إذ كان هناك عدة أسماء مرشحة للمنصب: داني شمعون، وقائد الجيش ميشال عون، ورئيس الجمهورية الأسبق سليمان فرنجية، و النائب مخايل الضاهر..

في الساعة 11:45 مساءً يوم 22 أيلول / سبتمبر 1988م (10 صفر 1409هـ) أي قبل 15 دقيقة فقط من انتهاء ولايته دستوريًا في الساعة 00:00 من يوم 23 أيلول / سبتمبر (11 صفر 1409هـ)، اتخذ الرئيس الجميل قرارين مصيريين:

إقالة حكومة سليم الحص: التي كانت حكومة وحدة وطنية مؤقتة (حكومة تصريف أعمال).

تشكيل حكومة عسكرية مؤقتة: أصدر مرسومًا جمهوريًا بتشكيل حكومة مؤقتة مكونة من 6 ضباط بقيادة قائد الجيش العماد ميشال عون (ماروني)، لتولي شؤون الحكم حتى انتخاب رئيس جديد.

رأى أمين الجميل أن حكومة الحص، التي كانت في نظره منحازة لطرف سياسي، لا تستطيع أن تستلم صلاحيات الرئاسة الشاغرة. فأراد أن يسلّمها لقيادة "محايدة" (الجيش).

ولكن في الحسابات الطائفية، فإن العرف اللبناني يقضي بأن رئيس الجمهورية يجب أن يكون مارونياً. فرأ الجميل أن تسليم صلاحيات الرئيس إلى رئيس حكومة مسلم (سليم الحص) قد يخلّ بالتوازن الطائفي، ولكنه، أسند رئاسة الحكومة (العرف اللبناني يقضي بأن يكون سنياً) إلى ماروني (ميشال عون)، ضارباً بالحائط الإخلال بالتوازن الطائفي.. 

ومن الناحية الدستورية، فإن الدستور اللبناني (المادة 62) ينص على أن "عند خلو سدة الرئاسة لأي سبب، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء"، أي أن حكومة سليم الحص القائمة كانت المخوّلة دستورياً تسلم صلاحيات الرئيس، وبالتالي، فإن قرار الجميل بتعيين حكومة عسكرية كان "خارج النص الدستوري"، مدفوعاً بالخشية من سقوط صلاحيات الرئاسة في يد فريق سياسي– طائفي آخر.

شكل قائد الجيش ميشال عون حكومة عسكرية من 6 وزراء يمثلون الطوائف الرئيسية في لبنان. تكونت من: العماد ميشال عون (ماروني) العقيد عصام أبو جمرا (روم أرثوذكس) العميد إدغار معلوف (روم كاثوليك)، العميد محمد نبيل قريطم (سني)، العقيد لطفي جابر (شيعي) اللواء محمود طي أبو ضرغم (درزي).

رفض المسلمون في مجلس النواب هذه التشكيلة، واصروا على بقاء حكومة الدكتور سليم الحص، فأدى ذلك إلى استقالة الوزراء الممثلين للطوائف الإسلامية الثلاث السنة والشيعة والدروز..

اضطرت حكومة ميشال عون العسكرية بجلستها بتاريخ 4 تشرين الأول / أكتوبر 1988م (23 صفر 1409هـ) لتعين وزراء بالوكالة للوزارات التي رفض الوزراء الثلاثة الأصيلين استلام مهامهم بها، حيث أصدر العماد عون المرسوم رقم 4 والذي تم بموجبه العهد إلى العماد ميشال عون و العقيد عصام أبو جمرا والعميد إدغار معلوف (وهم أعضاء بالحكومة العسكرية) مهام الوزراء الأصيلين المتغيبين، وذلك طوال فترة غيابهم لأي سبب كان.

أصبح على ارض لبنان حكومتان متنافستان، حكومة عسكرية برئاسة العماد ميشال عون لا يوجد فيها وزير مسلم، وحكومة مدنية برئاسة الدكتور سليم الحص، تجمع أطياف الشعب اللبناني..

حظيت الحكومة العسكرية (حكومة عون)، بدعم القوى المسيحية (خاصة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لاحقًا) والعراق (الخصم الإقليمي لسوريا آنذاك)، و سيطرت على المناطق المسيحية في شرق بيروت وما حولها.

رفض سليم الحص قرار الإقالة، معتبرًا إياه غير دستوري لأن رئيس الجمهورية المنتهية ولايته لم يعد يملك صلاحية إقالة الحكومة، و استمرت حكومته في العمل من غرب بيروت، و حظيت بدعم الغالبية العظمى من النواب المسلمين وسوريا والدول العربية والعالمية بشكل عام.

في 14 آذار 1989م (7 شعبان 1409هـ) أعلن رئيس الحكومة العسكرية ميشال عون ما سمّاه "حرب التحرير" ضد القوات السورية في لبنان، فاندلعت مواجهات عنيفة مع الجيش السوري، مما أدى إلى محاصرة بيروت الشرقية التي كان يسيطر عليها، وتكبدت بيروت الشرقية خسائر فادحة في الأرواح بين المدنيين..

بين أيلول / سبتمبر و تشرين الأول / أكتوبر 1989م اجتمع نواب لبنان في مدينة الطائف السعودية، وتوصلوا إلى "اتفاق الطائف" وهو عبارة عن إصلاح دستوري ـ سياسي، لإنهاء الحرب، و تعزيز المشاركة الإسلامية في السلطة، وعدم تفرد الموارنة فيها..

رفض ميشال عون اتفاق الطائف وقام بحل البرلمان اللبناني لمنعه من إقرار الاتفاق وانتخاب رئيس للجمهورية، (وهذا فيه مخالفة للدستور اللبناني إذ لا يحق لرئيس حكومة (كما يعتبر نفسه) حل البرلمان) لكن النواب لم يعترفوا بقرارات حكومة ميشال عون.

في 5 تشرين الثاني / نوفمبر 1989م (7 ربيع الثاني 1410هـ) انتخب رينيه معوض رئيساً للجمهورية في مطار القليعات، وبعد إجراء الاستشارات النيابية تقرر تكليف الرئيس سليم الحص بتشكيل حكومة اتحاد وطني.

في 22 تشرين الثاني / نوفمبر (24 ربيع الثاني 1410هـ)، تم اغتيال رينيه معوض، فتم انتخاب إلياس الهراوي رئيسًا للجمهورية، مدعومًا من سوريا، وتقرر تكليف الرئيس سليم الحص بتشكيل الحكومة.

في 31 كانون الثاني / يناير 1990م (5 رجب 1410هـ) اندلعت "حرب الإلغاء" بين ميشال عون والقوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، مما أدى إلى مقتل عدد كبير من المدنيين..

ظل ميشال عون يرفض الاعتراف بشرعية رئيس الجمهورية والحكومة ومجلس النواب وبقي  معتصماً بقصر بعبدا رافضاً تسليمه.

في 13 تشرين الأول / أكتوبر 1990م (24 ربيع الأول 1411هـ) قام الجيش اللبناني بمساعدة الجيش السوري المتواجد بلبنان بعملية اقتحام قصر بعبدا، مما اضطر رئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون إلى الفرار، واللجوء إلى السفارة الفرنسية في بيروت، ومن ثم نفيه إلى فرنسا..  

 

ــــــــــــ

إقرأ ايضاً

اغتيال رئيس وزراء لبنان رياض الصلح في عمّان وذلك إنتقامًا لإعدام أنطون سعادة

اختطاف ثلاثة ديبلوماسيين إيرانيين ومصور... إيران تتهم إسرائيل.. وإسرائيل اتهمت الكتائب اللبنانية بخطفهم وقتلهم.. (1982)

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة