• لبنان
  • السبت, كانون الأول 27, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 7:30:08 م
inner-page-banner
صيدا الحضارة والتاريخ

د. طالب محمود قرة احمد ـ مؤلف كتاب آثار صيدا ـ ذاكرة المدينة ـ بوابة صيدا

إله الصحة والشفاء وشفيع صيدون، بُني له معبد في عهد الملك أشمون عازار في القرن الخامس قبل الميلاد، أواخر الحكم الفارسي لفينيقيا.

يقع معبد أشمون الأثري على مسافة تقل عن خمس كيلو مترات شمالي مدينة صيدا. بُني هذا المعبد الوثني الفينيقي القديم على الضفة الجنوبية لنهر "بسترانوس" المسمى حالياً نهر الأولي، على مسافة قصيرة من مصبه في البحر الأبيض المتوسط يُدعى المكان "بستان الشيخ" ولربما جاء هذا الاسم من تعريب محرف لإسم النهر "بستراتوس".

بقي هذا الموقع مهجوراً ومنسياً لثلاثة عشر قرناً ونيف، إلى أن اكتشفه لاحقاً علماء الآثار في مطلع القرن العشرين. وتخللت هذه الحقبة الطويلة من الهجر عمليات سلب ونقل لحجارة المعبد التي استُعملت في تشييد أبنية مختلفة في منطقة الشوف المجاورة لمدينة صيدا.

وأهم ما في هذا الموقع الأثري معبد كان قائماً على مصطبة مرتفعة في وسط المكان، يُشرف على برك الماء المقدسة والطريق الداخلية التي تعبر في أسفله بجوار نهر "بستراتوس".

ومن أبرز بقايا الموقع، معبد سفلي لعشتارت يحوي عرشاً إلهياً يحيط به أسدان حجريان. وفي جوار معبد عشتار تتمدد عدة بُرك عميقة تُجمع فيها المياه المستقاة من نبع مجاور كان يُدعى "يدلال"، والتي كانت تُستخدم في طقوس التقديس وتستقبل المؤمنين الوثنيين للإغتسال والتبرك والشفاء من الأمراض.

كان أشمون أحد الآلهة الثلاثة الرئيسيين عند سكان صيدون الفينيقيين، وكان ملوك صيدون وسكانها يجلونه ويقدمون له الذبائح والعطايا، ويبنون له الهياكل. 

يُظن بأن اشمون الصيدوني مرادف للإله أدونيس في بيبلوس (جبيل) وللإله ملكارت في صور، وللإله أسكليبيوس اليوناني وللإله إسكولابيو الروماني.

وُلد أشمون من علاقة زنى بين الإله الأكبر بعل وإحدى الصبايا، فكان وسيماً وفارساً شهماً وسُمي نعمان باللغة الكنعانية (الفينيقية).

وقعت الإلهة عشتارت في هواه لكنه هشم جسده وضحى بذاته ومات. لكن عشتارت الهائمة به أعادت إليه الحياة بسلطتها الإلهية، فصار إلهاً عطوفاً رحيماً يهب الملتجئين إليه السعادة ويُعيد عليهم الصحة. وكان الفينيقيون يحتفلون بذكرى آلامه وموته ثم بعيد قيامته في مطلع كل ربيع.

وكان معبد أشمون بالقرب من صيدون على ضفة "بوسترينوس" مقصد حج واستشفاء يؤمه الصيداويون للتبرك بالماء المقدسة والحصول على الزيت المقدس الشافي، ويقدمون له الأضاحي والهدايا، ومنها تماثيل حجرية ومعدنية عربون شكر ووفاء لفضل أشمون الإلهي ولقد وجد المنقبون في موقع المعبد تماثيل عديدة لأطفال وإشارات للأمراض التي كانوا يعانون منها، مما دفع العلماء للقول بأن اشمون كان شافي الأطفال بإمتياز. 

يُرمز إلى أشمون في صوره ومنحوتاته القديمة بشخص يحمل عصا تحيط بها أفعوان ذات أجنحة وبما أنه اعتبر مرادفاً لإله الطب الإغريقي اسكليبيوس، فإن رسومه اعتبرت مقدمة لشعار الأطباء المعاصر ذي العصا والأفعوان.

وتعني كلمة أشمون بالكنعانية وبالعبرية أيضاً الثامن، ذلك أن هذا الإله كان في معتقد الكنعانيين أصغر أولاد الإله بعل الثمانية، وكان لصيرورته إلهاً بعد موته وقيامته، علة الخلاص والشفاء بعد الأيام السبعة للأسبوع التي يرمز إليها أشقاؤه السبعة. وفي هذه الصورة الميثولوجية القديمة التي سبقت المسيحية في بلاد كنعان وأرض إسرائيل نبوءة وثنية مستوحاة من الناموس الطبيعي مبشرة بخلاص البشر بالمسيح من بين الأموات.

كنيسة الموقع:

بنى المسيحيون في العصر الرومي الذي تبع انتصار قسطنطين في مطلع القرن الرابع كنيسة كبيرة أُقيمت عند مدخل المعبد الوثني، وزُينت أرضها والمساحات التي بجوارها بالفسيفساء. وجد المنقبون بالقرب من آثار الكنيسة لوحة فسيفسائية شهيرة ورائعة الجمال تمثل الفصول الأربعة. فُقدت هذه اللوحة في فترة الحرب اللبنانية حين سطى اللصوص على الموقع وسرقوه.

لا يُعرف إلى اليوم شفيع هذه الكنيسة والدور الذي لعبه في العصر الرومي. لكن وجود البُرك المائية بكثافة في جوارها، وظاهرة انتقال التقاليد الدينية واستمرارها من عصر إلى آخر تُرجح الإعتقاد بأنها لربما خدمت سر العماد المقدس وكانت محجاً للمرضى والمعوقين.

هُجرت الكنيسة بعد أن فرغ المكان من أهله وأفل دور مدينة صيدون. استعملت حجارة الكنيسة، كمثل حجارة المعبد الوثني، في أبنية عديدة شوفية وصيداوية. ولم تبق من الكنيسة إلا آثار قليلة مبعثرة تُشير إلى رسم أساساتها وتحمل إشارات الصليب، وفسيفساء تضم كتابات باللغة اليونانية.

 

ـــــــــــــ

إقرأ ايضاً

مستشفى صيدا الحكومي في صيدا القديمة

زاوية آل الدقور.. في صيدا

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة