عبد الباسط ترجمان ـ بوابة صيدا
في زمنٍ كانت فيه المدن تُعرف بعلمائها قبل أسواقها، برز اسم صيدا لا كمدينة ساحلية فحسب، بل كمرفأ للعلم والرواية. ومن بين أعلامها، لمع نجم ابن جُميع الصيداوي، ذلك الراوي الذي حمل في قلبه شغف الحديث، وفي قلمه دقة السند، فخلّد اسمه في ذاكرة المحدثين.
لم يكن ابن جُميع مجرد ناقل للأحاديث، بل كان مؤرخًا للأسانيد، وموثّقًا لرحلة العلم من المشرق إلى المغرب. في كتابه الفريد "معجم الشيوخ"، دوّن أسماء من روى عنهم، وفتح نافذة على الحياة العلمية في القرن الرابع الهجري، حيث كانت الرحلة في طلب الحديث عبادة، والسند سلسلة نور تربط الأمة بنبيها.
هذه السيرة ليست فقط عن رجلٍ من صيدا، بل عن مدينةٍ نطقت بالعلم من خلاله، وعن عصرٍ كانت فيه الثقة تُبنى على السند، لا على الشهرة. في هذه السطور، نقترب من ابن جُميع، لا لنقرأ ما كتب فقط، بل لنسمع صوت صيدا كما دوّنه في كتب الحديث.
ولد الشيخ العالم الصالح المُحدث الرحال أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن يحيى بن جُميع، الغساني الصيداوي المعروف بـ " ابن جُميع " في مدينة صيدا عام 305هـ. (918م)
نشأ في بيئة علمية، وبدأ رحلته في طلب الحديث في سن مبكرة، حيث تنقل بين العديد من البلدان الإسلامية لسماع الحديث من الشيوخ والعلماء، فرحل إلى الحجاز (مكة والمدينة)، العراق (بغداد، الكوفة، البصرة)، الشام (دمشق، صور، صيدا، طرابلس)، مصر، إيران، والعديد من المدن الأخرى مثل الموصل، أنطاكية، طرابلس .
سمع من عدد كبير من الشيوخ، منهم:
في مكة: أبو سعيد بن الأعرابي.
في بغداد: المحاملي، ابن مخلد، الحسين بن سعيد المطبقي.
في الكوفة: الحافظ ابن عقدة.
في البصرة: أبو روق الهزاني.
في مصر: أبو الطاهر أحمد بن محمد الخامي .
تزوج وخلّف أولاداً، ولكنهم كانوا يموتون وهم صغار، إلى أن رُزق بالحسين المعروف بـ"السّكن"، فكُتب له أن يعيش، ثم رُزق بعده بالحسن وطلحة.
ومن ذريّته، علي بن الحسين، قُتل في وادي الجرمق شرقي صيدا بعد سنة 450 ﻫ/ 1059م، ومحمد بن الحسين، وأحمد بن الحسن، وعلي بن الحسن، ومحمد بن الحسن.
وعندما استقر ببلده جلس لرواية حديث النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الجامع بصيدا، فقصده عشرات الطلبة ليسمعوا منه ويستجيزوه في الرواية، ومن أشهرهم الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري، وعبد الله بن علي بن عياض بن أبي عقيل قاضي صور، والحافظ محمد بن علي الصوري.
يُعد ابن جُميع من أبرز علماء الحديث في عصره، وصفه بعض العلماء بأنه "شيخ صالح ثقة مأمون"، وله سند متصل في الحديث، وروى عن كبار المحدثين في عصره. يُستشهد به في كتب التراجم مثل "سير أعلام النبلاء" و"تاريخ الإسلام" و"التهذيب".
من مؤلفاته "معجم الشيوخ" (طُبع الكتاب في مجلدين باسم "معجم الغساني" في الأزهر)، و يُعد هذا الكتاب من أوائل كتب "المعاجم" التي جمع فيها المؤلف أسماء شيوخه الذين روى عنهم الحديث، مع ذكر طبقاتهم، وأسانيدهم، وأماكنهم، من مختلف الأمصار الإسلامية: بغداد، مصر، الشام، الحجاز، وغيرها.
ذكر ولده أنه صام منذ كان عمره ثمانية عشر سنة حتى توفي.
توفي في شهر رجب عام 402هـ ( 1012م) ودفن في مدينة صيدا.
المصادر: (سير أعلام النبلاء 13، / معجم المؤلفين 5 / الأعلام 4 / هدية العارفين اسماء المؤلفين واثار المصنفين المجلد الثاني مؤلفه اسماعيل باشا البغدادي / الأنساب للسمعاني 4 / النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة / ديوان الإسلام المؤلف: ابن الغزي / العبر في خبر من غبر 1/ الوافي بالوفيات 1/ الحركة العلمية والثقافية في ساحل بلاد الشام خلال القرن الخامس الهجري (طرابلس - صيدا - صور) الدكتور عمر عبد السلام تدمري الجامعة اللبنانية - طرابلس)
ــــــــــــ
إقرأ أيضاً
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..