• لبنان
  • الثلاثاء, أيلول 16, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 6:49:36 م
inner-page-banner
من صفحات التاريخ

صبرا وشاتيلا: حين صمت العالم وصرخت الجثث

بوابة صيدا 

في أزقة ضيقة من بيروت الغربية، وبين خيام اللاجئين الفلسطينيين الذين ظنّوا أن الحرب قد هدأت، وقعت واحدة من أبشع المجازر في التاريخ الحديث. صبرا وشاتيلا لم تكن مجرد جريمة، بل كانت لحظة انكشاف أخلاقي، حين اختار العالم أن يُشيح بوجهه، وترك الأبرياء يُذبحون في صمت.

على مدار ثلاثة أيام من أيلول / سبتمبر 1982، تحوّلت المخيمات إلى مسرح للقتل الجماعي، حيث اختلط الدم بالتراب، وارتفعت صرخات الأطفال والنساء فوق صمت البنادق. الميليشيات اللبنانية دخلت، والجيش الإسرائيلي أحاط، والمجتمع الدولي اكتفى بالمراقبة، بينما الجثث كانت تصرخ بما لا يُقال.

هذه المجزرة لم تكن وليدة لحظة، بل نتيجة تحالفات سياسية ملوّثة، وانهيار كامل للضمانات الدولية. وحتى اليوم، لم يُحاسب أحد، ولم تُجبر الجثث على الصمت، بل بقيت شاهدة على زمنٍ اختار فيه العالم أن يصمت... حين كان يجب أن يصرخ.

في حزيران / يونيو 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان فيما عرف بـ "عملية سلامة الجليل"، بحجة إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية عن حدودها الشمالية.

حاصرت القوات الإسرائيلية بيروت الغربية أكثر من شهرين، وانسحبت قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، مقابل ضمانات أمريكية بحماية المدنيين في المخيمات، فأصبحت المخيمات تحت رحمة الاحتلال وحلفائه من القوات اللبنانية.

في 14 أيلول / سبتمبر 1982، تم اغتيال بشير الجميل رئيس الجمهورية المنتخب وزعيم ميليشيا "القوات اللبنانية" (المسيحية المارونية) على يد حبيب الشرتوني (المسيحي) عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي، فاستغلت إسرائيل الاغتيال لتحتل بيروت الغربية، وسمحت لميليشيا القوات اللبنانية (الجناح العسكري لحزب الكتائب) بدخول مخيمي صبرا وشاتيلا، بذريعة البحث عن "مسلحين فلسطينيين".

في 16 ايلول 1982م بدأت المذبحة، دخلت ثلاث فرق إلى المخيم كل منها يتكون من خمسين مسلحا بحجة وجود 1500 مسلح فلسطيني داخل المخيم، وقامت مجموعات الكتائب اللبنانية بقيادة إيلي حبيقة، وجيش لبنان الجنوبي (العميل) بقيادة سعد حداد، بالإطباق على سكان المخيم وأخذوا يقتلون المدنيين قتلاً بلا هوادة، أطفالٌ في سن الثالثة والرابعة وُجدوا غرقى في دمائهم، حوامل بقرت بُطونهن ونساء تم إغتصابهن قبل قتلهن، رجال وشيوخ ذُبحوا وقُتلوا، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره، 48 ساعة من القتل المستمر وسماء المخيم مغطاة بنيران القنابل المضيئة.

أحكمت آليات الجيش الإسرائيلي إغلاقَ كل مداخل النجاة إلى المخيم فلم يُسمح للصحفيين ولا لوكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة، حين استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية، عدد القتلى في المذبحة لا يعرف بوضوح وتتراوح التقديرات حوالي 4000 شهيد من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح.

في رسالة من ممثلي الصليب الأحمر لوزير الدفاع اللبناني يقال أن تعداد الجثث بلغ 328 جثة، ولكن لجنة التحقيق الإسرائيلية برئاسة إسحاق كاهان تلقت وثائق أخرى تشير إلى تعداد 460 جثة في موقع المذبحة.

بينما استنتجت لجنة التحقيق الإسرائيلية من مصادر لبنانية وإسرائيلية في تقريرها النهائي أن عدد الشهداء بلغ ما بين 700 و 800 نسمة.

وفي تقرير إخباري لهيئة الإذاعة البريطانية BBC اشارت إلى 800 شهيد في المذبحة.

بينما قدرت بيان نويهض الحوت، في كتابها "صبرا وشتيلا - سبتمبر 1982"، عدد الشهداء بـ 1300 نسمة على الأقل حسب مقارنة بين 17 قائمة تفصل أسماء الضحايا ومصادر أخرى.

وأفاد الصحافي البريطاني روبرت فيسك أن أحد ضباط الميليشيا المارونية الذي رفض كشف هويته قال إن أفراد الميليشيا قتلوا 2000 فلسطيني.

أما الصحافي الإسرائيلي الفرنسي أمنون كابليوك فقال في كتاب نشر عن المذبحة أن الصليب الأحمر جمع 3000 جثة بينما جمع أفراد الميليشيا 2000 جثة إضافية مما يشير إلى 3000 قتيل في المذبحة على الأقل.

في 1 تشرين الثاني / نوفمبر 1982 أمرت الحكومة الإسرائيلية المحكمة العليا بتشكيل لجنة تحقيق خاصة، وقرر رئيس المحكمة العليا، إسحاق كاهان، أن يرأس اللجنة بنفسه، حيث سميت "لجنة كاهان".

في 7 شباط / فبراير 1983 أعلنت اللجنة نتائج البحث وقررت أن وزير الدفاع الإسرائيلي أريئل شارون يحمل مسؤولية مباشرة عن المذبحة إذ تجاهل إمكانية وقوعها، ولم يسع للحيلولة دونها. كذلك انتقدت اللجنة رئيس الوزراء مناحيم بيغن، وزير الخارجية إسحاق شامير، رئيس أركان الجيش رفائيل ايتان وقادة المخابرات، قائلةً إنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون وقوع المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت.

رفض أريئيل شارون قرار اللجنة ولكنه استقال من منصب وزير الدفاع عندما تكثفت الضغوط عليه. الا انه بعد ذلك تم انتخابه رئيسًا للحكومه وقام بمجازر غيرها في الأراضي الفلسطينية ولم يتم محاكمته رغم ثبوت التهم عليه.

في شباط / فبراير 1983 أيضاً خلصت لجنة دولية برئاسة شون ماكبرايد (مساعد الأمين العام للأمم المتحدة) إلى أن إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة، تتحمل المسؤولية عن المجزرة، ووصفتها بأنها "شكل من أشكال الإبادة الجماعية".

في المواقف أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة المجزرة ووصفتها بالإبادة الجماعية بأغلبية ساحقة (123 صوتًا مقابل 0، مع امتناع 22 دولة عن التصويت)، كما شكلت الأمم المتحدة لجنة لتقصي الحقائق.

و اكتفت الولايات المتحدة والدول الغربية ببيانات قلق، دون خطوات عقابية على إسرائيل.

و خرجت مظاهرات حاشدة في عواصم العالم احتجاجًا على المجزرة وإدانة للدور الإسرائيلي، أدت الضغوط الدولية إلى إرسال قوات متعددة الجنسيات إلى بيروت لاستعادة الهدوء وحماية المدنيين، و ضغطت الإدارة الأمريكية على حليفتها إسرائيل للسماح بدخول القوات الدولية إلى بيروت.

و استنكرت الدول العربية والإسلامية المجزرة، لكنها لم تتخذ أي إجراءات عسكرية، او مواقف ردعية ضد "إسرائيل".

في عام 2002، رفعت عائلات الضحايا دعوى في بلجيكا ضد أرييل شارون وآخرين بموجب قانون البلاد الذي يسمح بمقاضاة مجرمي الحرب. ومع ذلك، أُغلقت القضية لاحقًا بسبب تغيير في التشريع البلجيكي وعدم وجود اتصال كافٍ ببلجيكا.

وكذلك لم تتم محاكمة أي من المنفذين المباشرين للمجزرة أمام محكمة جنائية دولية.

 

ــــــــــــ

إقرأ ايضاً

اغتيال رئيس وزراء لبنان رشيد كرامي بتفجير مروحيته

الجيش الإسرائيلي يبدأ سحب جيشه من جنوب لبنان

 

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة