بوابة صيدا
في صباح الثاني عشر من أيلول / سبتمبر عام 1683م (21 رمضان 1094هـ) وعلى مشارف مدينة فيينا، دوّى التاريخ بصوت مختلف. لم يكن صوت المدافع العثمانية التي اعتادت أن تُرعب أوروبا، بل كان صوت الخيول البولندية وهي تندفع من جبل كالنبرغ، تقودها رايات الصليب، في هجوم مضاد أنهى حلمًا امتد لقرنين..
كانت الدولة العثمانية قد بلغت ذروة توسعها، وجاءت إلى فيينا بقيادة قرة مصطفى باشا، تحمل معها طموحًا لنشر الإسلام في قلب أوروبا. لكن المدينة صمدت، والتحالف المسيحي بقيادة يوحنا سوبياسكي ملك بولندا، قلب المعادلة في يوم واحد.
في تلك اللحظة، لم تكن المعركة مجرد صراع على مدينة، بل كانت نقطة انعطاف حضارية، حيث تراجع المدفع العثماني، وتقدّم الصليب الأوروبي، إيذانًا ببداية أفول السلطنة، وصعود أوروبا نحو قرون من الهيمنة السياسية والعسكرية.
هذه ليست قصة حصار، بل قصة نهاية مرحلة وبداية أخرى. قصة سقوط الهيبة، وانبعاث القوة من تحت الركام.
كانت الدولة العثمانية تسعى دومًا لتوسيع نفوذها في أوروبا الوسطى، وسعت لجعل البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط بحيرات عثمانية، وكانت فيينا المفتاح لتوسيع نفوذهم في قلب الإمبراطوريات المسيحية في أوروبا.
في المقابل تنامى الخوف في أوروبا المسيحية من التوسع العثماني الإسلامي مما دفع دولًا مثل الإمبراطورية الرومانية المقدسة، مملكة بولندا، وبعض الأمراء الألمان إلى التعاون لصدّ النفوذ.
في 14 تموز / يوليو 1683م (18 رجب 1094هـ) قاد "قرة مصطفى باشا" جيشًا ضخمًا يُقدّر بـ 150000 جندي، بينهم الإنكشارية وقوات من خانية القرم والبلقان وتقدموا بسرعة لحصار فيينا.
فر الإمبراطور ليوبولد وعائلته من المدينة، تاركًا الدفاع للكونت إرنست روديغير فون شتارهمبرغ بـ حوالي 15000 جندي ومتطوع. و حفر العثمانيون أنفاقًا تحت الأسوار لتفجيرها بينما دافع النمساويون بشراسة.
أدرك بابا الفاتيكان إنوسنت الحادي عشر الخطر، فدعم تشكيل تحالف أوروبي كبير (الرابطة المقدسة) بقيادة الملك البولندي يوحنا الثالث سوبياسكي، الذي كان يحظى بجيش قوي، وانضم إليه أمراء من ألمانيا والنمسا، فحشدت أوروبا أكثر من 70000 مقاتل..
في صباح 12 أيلول / سبتمبر 1683م (21 رمضان 1094هـ) شن التحالف الأوروبي هجومًا مفاجئًا على الجيش العثماني، وارتكب "قرة مصطفى باشا" خطأ تكتيكي فادح، وذلك بمهاجمة فيينا والتحالف في نفس الوقت، مما قسم قواته وأضعفها، فنجحت القوات الأوروبية في كسر الحصار وإنقاذ فيينا من السقوط.. وهزيمة الجيش العثماني، مما أدى إلى مقتل 10000 جندي عثماني...
أدت الهزيمة إلى تراجع الدولة العثمانية عن محاولات التوسع في أوروبا، وبدأت مرحلة انحسار قوتها العسكرية والسياسية في القارة. كما ساهم انتصار الأوروبيين في تعزيز الوحدة بينهم ضد التهديدات الخارجية.
أدت معركة "ألمان داغي" إلى تشكيل تحالف (الرابطة المقدسة) فتحول التحالف الدفاعي الأوروبي إلى هجوم مضاد، حيث استمرت الحرب العثمانية - الرابطة المقدسة لمدة 16 عامًا، و أجبرت العثمانيين، على توقيع معاهدة كارلوفيتز (1699)، وهي أول معاهدة يخسر فيها العثمانيون أراضٍ لصالح الأوروبيين بشكل كبير. فقد خسروا:
المجر لصالح النمسا، بودوليا وأجزاء من أوكرانيا لصالح بولندا، و أجزاء من البلقان (كرواتيا، سلافونيا) وجميع شبه جزيرة المورة لصالح البندقية.
و انتقلت الزعامة العسكرية والسياسية في أوروبا من الدولة العثمانية إلى دول أوروبا الغربية (النمسا، فرنسا، إنجلترا).
معركة فيينا (ألمان داغي) كانت أحد أهم المعارك الفاصلة في التاريخ الأوروبي والعثماني. مثلت الذروة والمنعطف الذي أنهى تهديد الدولة العثمانية المسلمة لأوروبا المسيحية، ووضعت الأساس لتراجعها الطويل الذي مهد الطريق لظهور "المسألة الشرقية" وسقوط الإمبراطورية في نهاية المطاف بعد الحرب العالمية الأولى.
ــــــــــــ
إقرأ أيضاً
انتفاضة محرم (ثورة الشيعة) في القطيف شرق السعودية
عبد الله عزام.. من داعية.. إلى إمام المجاهدين العرب في أفغانستان
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..