• لبنان
  • الأحد, أيلول 07, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 7:45:54 م
inner-page-banner
من صفحات التاريخ

أنصارية: ليلٌ لا تنساه إسرائيل

بوابة صيدا 

في جنوب لبنان، حيث كانت الأرض تئن تحت وطأة الاحتلال، وقعت واحدة من أكثر العمليات دقة وإرباكًا في تاريخ الصراع. ليلة الرابع من أيلول عام 1997م، لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت امتحانًا استخباراتيًا، تفوقت فيه المقاومة على نخبة النخبة في الجيش الإسرائيلي: وحدة "شييطت 13".

في بلدة أنصارية، زرعت المقاومة عبواتها لا على الطريق فقط، بل في قلب الحسابات الإسرائيلية. رصدت، حلّلت، استبقت، ثم انتظرت، وعندما دخلت القوة الإسرائيلية، انفجرت الأرض تحت أقدامهم، وسقطت الرتب والنجوم، وسقط معها وهم التفوق المطلق.

هذه ليست قصة كمين، بل قصة ليلٍ طويل في ذاكرة إسرائيل، ليلٍ لا يُنسى لأنه كسر المعادلة، وأثبت أن الجنوب لا ينام... بل يترصّد.

بعد اتفاقية تفاهم نيسان / أبريل عام 1996، التي التزمت فيها إسرائيل بعدم استهداف المدنيين، ركز الجيش الإسرائيلي على استهداف مقاتلي المقاومة باستخدام تكتيك الكمائن والاغتيالات.

خلال الفترة السابقة للعملية (نهايات عام 1994)، بدأ الجيش الإسرائيلي التخطيط لعملية خارج الشريط المحتل، حيث قامت شبكات التجسس برصد المقاومين والقادة الميدانيين، وتسللت مجموعات كوماندوز لزرع عبوات ناسفة في سيارات أو طرق، ما تسبب بمقتل عدد من كوادر حزب الله. فقررت قيادة الحزب تحويل هذا التهديد إلى فرصة لاستدراج العدو إلى كمين محكم.

في 5 ايلول / سبتمبر 1997م / (2 جمادى الأولى 1418هـ) تسللت قوة إسرائيلية عبر البحر باتجاه بلدة "أنصارية" في جنوب لبنان، ونصبت عبوات ناسفة بدت وكأنها داخل مسارهم، وكان الجنود تحت أنظار "حزب الله" الذي نصب لهم كميناً، مما أدى إلى مقتل خمسة ضباط وسبعة جنود، بمن فيهم قائد العملية الإسرائيلي (مقدم) يوسف كوركين (الذي كان يعتبر "أسطورة في قوات النخبة") وكان من بين القتلى أيضاً عناصر من وحدة إنقاذ "669" .

كشف محلل الشؤون العسكرية في صحيفة «معاريف»، عامير رابابورت، في تحقيق نُشر في ملحق الصحيفة، "أنّ حزب الله علم مسبقاً بعملية أنصارية، وأنّ الصور ومقاطع الفيديو التي رصدتها الطائرة من دون طيّار الإسرائيلية عن مسار وحدة الكوماندوس البحري الإسرائيلي، التقطت بواسطة أجهزة تلفزيون تابعة لحزب الله ".

ويقول رابابورت: "بداية العملية كانت «تسير على ما يرام». قوة الكوماندوس من «شييطت 13» عبرت بوابة إلى بستان في أطراف بلدة أنصارية، إلا أنه في الدقيقة الحادية والأربعين من بدء التنفيذ، وبعد منتصف ليل الرابع والخامس من أيلول / سبتمبر عام 1997، انفجرت أولاً عبوة ناسفة في مسار القوة الإسرائيلية. كان الانفجار قوياً، انطلقت منه كرات حديدية في كل اتجاه، وانفجرت في أعقابه عبوات ناسفة حملها أفراد الكوماندوس البحري لنصبها «داخل الهدف الذي كانوا في طريقهم إليه» " ...

"هرعت فرق الإنقاذ العسكرية الإسرائيلية إلى المكان، «لكن عملها كان مليئاً بالإخفاقات» وقتل أحد الأطباء المسعفين بشظايا قذيفة. وهبطت مروحيات إسرائيلية من طراز «يسعور» في «ميدان الانفجار» على بعد 60 كيلومتراً من الحدود الإسرائيلية ــ اللبنانية، بعيداً عن «القطاع الأمني» الواقع تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي في حينه، وعدد من الجنود تُركوا من دون علاج فماتوا متأثرين بجراحهم. وتبيّن أنه بعد هبوط المروحيات في الأراضي الإسرائيلية، تُركت جثّة أحد أفراد الكوماندوس الإسرائيلي، إيتمار إليا في لبنان.

ويشير رابابورت إلى سؤال مركزي تردد على مدار عشر سنوات، بشأن ما إذا كان الكمين الذي نُصب كان صدفة أم أنّ حزب الله خطّط له؟ ويتابع أنه لو كان الكمين صدفة، لكان من الممكن الادّعاء أن ما حصل كان «سوء حظ». أما إن كان الكمين مخططًا له من قبل حزب الله ، «فهذا يعني أنّ إخفاقات ضخمة سبقت الكارثة»، موضحاً أن ما جرى في أنصارية «كان مفهوماً ضمناً، لكن في (إسرائيل) فعلوا كل شيء لإخفائه».

اعتُبر الكمين علامة فارقة، وصدمة قوية في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وأحد أكبر الخسائر التي لحقت بوحدة النخبة التابعة للبحرية منذ 1985م.

و ​أظهر الكمين القدرات الاستخباراتية لحزب الله، وقدرته على استخلاص المعلومات حتى من بث الطائرات الإسرائيلية المسيرة.

وفي أعقاب الكارثة، تألّفت في إسرائيل لجنة تحقيق في القضية ترأسها لواء الاحتياط في جيش الاحتلال، غابي أوفير. هذه اللجنة رفضت فكرة الكمين المحكم، رغم التصريحات الواضحة للأمين العام الراحل لحزب الله حسن نصر الله عن «كمين مخطط له». ورأت لجنة التحقيق أنه «لم تكن هناك تسريبات استخبارية قبل العملية، وأن حزب الله لم يعرف شيئاً عنها». وعقدت مؤتمراً صحافياً في بيت سوكولوب في تل أبيب قالت خلاله إنّ الكمين الذي تعرّض له أفراد الكوماندوس كان «صدفة».

تنفّس قادة سلاح البحر الإسرائيلي الصعداء في حينه. فلا حاجة إلى التفتيش عن متهمين في هذه الحال. ويقول رابابوت: «هذا ما تمنّوه، لكن الواقع كان مغايراً».

ويكشف رابابوت  أن «شركاء في السر» في الجيش الإسرائيلي، كانوا على علم في قمة الاستعدادات للحملة، أن الطائرات الإسرائيلية الصغيرة من دون طيّار، بثت صوراً وفيديو يظهر من خلالها الوادي الذي كان على أفراد الكوماندوس البحري المرور منه بعد البحر إلى داخل لبنان.

ويوضح رابابورت أن هذا المسار رصد المنطقة مرّة تلو الأخرى قبل الحملة للبحث عن علامات مشبوهة، وتبيّنت مشكلة واحدة، أن بث الطائرة من دون طيار التي رصدت المكان كان من الممكن التقاطه عن طريق كل جهاز تلفزيون بيتي، لكون الطائرة غير مزوّدة بأجهزة تشفير.

وقال إن صورة الشاطئ التي بدت واضحة من نظرة من الأعلى، باستطاعتها أن تكشف مسار الحركة المخطط له من قبل قوة الكوماندوس البحري، وكان بالإمكان تجنّب هذا عن طريق رصد مساحة أكبر، تشمل عدداً من الأودية، من «أجل تضليل حزب الله »، إلا أن هذا لم يحصل. 

ردود الأفعال الإسرائيلية لم تكن موحّدة:  

1) لجنة التحقيق الأولية (AMAN) – "عماد يعلون": رغم التسريبات الواسعة بأن المقاومة كانت على علم مسبق بالعملية، قرّر رئيس الاستخبارات العسكرية حينها، موشيه يعلون، أن الانفجار الأول كان ناتجًا عن عبوة إسرائيليّة محمولة من الجنود، وبذلك لم يُظهر الكمين كعمل مُخطّط، بل كـ"ضربة حظ سيئة"، مما يُقصي فكرة وجود تسريب أمني إسرائيلي.

2) يوسف غالانت (التحقيق الشخصي): جاءت شهادة يوسف غالانت، المنخرط في التحقيق مباشرةً بعد الهجوم، بشكل مختلف: أدرك حزب الله أن وحدة كوماندوز ستصل من البحر خلال فترة متوقعة. التقديرات كانت أن الكمين تم تحضيره وفق تجسّس، وليس صدفة. العبوات زرعت عند مداخل مسار المدنيين…” وأضاف أن الانفجار الأول سبّب معظم الخسائر، ثم تلاه انفجار داخل بستان، ثم تفجير عبوة أحد الجنود نفسه بسبب الحرارة أو ضرب شظايا معدنية.

3) لجنة التحقيق السنوية بكشف قدرات حزب الله: بعد انعقاد مجموعة تحقيقات كثيرة، أسفرت لجنة برئاسة "كابي أغمون" (2010) عن أن حزب الله نجح في التقاط فيديوهات من طائرات استطلاع إسرائيلية قبل وأثناء العملية، مما وفر له معرفة دقيقة بحركة القوة الإسرائيلية — الأمر الذي قدح مصداقية نظرية “صدفة” أو "عدم وجود تسريب"

4) نقاش إعلامي (The Independent) إمكانية وجود عميل مزدوج: أشارت صحيفة The Independent إلى أن حزب الله قد يكون استدرج القوة الإسرائيلية إلى كمين معدّ مسبقًا، بناءً على خريطة مموّهة من عميل مزدوج، مما أدى إلى وقوعهم في حقل ألغام؛ وهو تحليل أكدته تقارير لاحقة.

5) نزار نقيّاش – الخبير والمحلل: قال نزار نقيّاش، في تعليق صحفي: “لا أستبعد أن حزب الله قد يكون حصل على معلومات من داخل القيادة العليا الإسرائيلية... لكن ما هو واضح، أنّهم استندوا إلى الصور الجوية التي استطاعوا اعتراضها من الطائرات بدون طيّار، ما مكنهم من إعداد كمين دقيق ومعرفة طريق القوة البحرية بدقة.

وننقل شهادات وأقوال بارزة لمسؤولين عسكريين إسرائيليين (كما تنقلها الصحافة العبرية)

1) يوآف غالانت (قائد شاييطت سابقًا، وزيرًا لاحقًا) في مقابلة موسّعة: يرفض رواية “انفجار ذاتي”، ويصف دلائل “كرات معدنية” في أجساد القتلى وعلى المعدات — وهو ما لا يتطابق مع عبوات الشاييطت المحمولة — كقرينة على عبوات حزب الله. كما ينتقد فشل نقل إنذار عن “مركبة مشبوهة” رصدتها طائرة استطلاع قبل ساعات من الانفجار.

2) خلاصة لجنة أغمون (كما نقلتها “واي نت”): فيلم حزب الله مركّب من مقاطع عدة، لكن فيه “مسدس دخاني” — مقطع تصوير يومي لطائرة مُسيّرة في 31 آب 1997م يُظهر نقطة الإنزال ومسار الحركة؛ وبناءً عليه “بدرجة احتمال عالية” كان لدى حزب الله "اعتراض بث مباشر مستقل"، لا تسريب بشري.

3) تأكيد ناطق الجيش في 2017م (ردًا على تحقيق واي نت): الجيش يعتمد عمليًا نتائج أغمون ويقرّ بأنها “كمين عبوات مُخطّط”.

 

ــــــــــــ

إقرأ أيضاً

القوات الصليبية تحتل بيروت.. وترتكب المجازر بحق سكانها
7 أيار 2008: عناصر حزب الله وحركة أمل يجتاحون مدينة بيروت وبعض مناطق جبل لبنان  

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة