• لبنان
  • الثلاثاء, تشرين الأول 14, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 2:35:14 م
inner-page-banner
من صفحات التاريخ

 كاليستوس الأوّل: الرحلة من عبد إلى بابا

بوابة صيدا

في قلب القرن الثالث الميلادي، حيث تتداخل السياسة مع الإيمان، والسلطة المدنية مع الروحانية، تبرز شخصية استثنائية: "كاليستوس الأوّل"، الذي لم يولد ليكون قائداً روحياً، وإنما عاش بداية حياته تحت عبودية، وتعرّض للمحاكم والنفي والعمل القسري، لينتهي به المطاف إلى أعلى درجة في الكنيسة المسيحية، أسقف روما ـ البابا.

إنها رحلة ليس فقط من الفقر إلى المكانة، بل من الخطأ إلى التوبة، من الهامش الاجتماعي إلى مركز القرار الكنسي، ومن الجدل الداخلي إلى قبول واسع، ومن العزلة إلى قداسة يُحتفى بها.

في هذا السرد سنرى كيف أن الأحداث ـ من خسارة المال الذي وكل إليه، ونفيه، حتى تولّيه الرئاسة البابوية في زمن كان فيه الصراع اللاهوتي على أشدّه ـ شكّلت رجلاً استطاع أن يمزج بين الرحمة والصرامة، بين التسامح والالتزام، وبين الخلاف الداخلي والركن الثابت للتقليد المسيحي.

هذه قصة ليست مجرد سيرة تاريخية، بل تأمل في، كيف يمكن أن يتحوّل الإنسان، رغم العوائق، ليصبح رمزًا للثقة، وللخدمة الحقيقية.

كان عبدًا معتق، كما وصفه أحد المؤرخين الرومان، وكان يتولى إدارة الأموال من المؤمنين (الأرامل والمساكين) التي تُعطى للعناية بهم، فخسِر جزءاً من هذه الأموال، مما أدى إلى خوفه من المساءلة، فهرب لكن تم القبض عليه لاحقاً..

نُفي للعمل القسري في مناجم سردينيا كعقاب له.. ويُروى أن مارشيا، التي كانت من محظيات الإمبراطور كومودوس، تدخلت لدى بعض الكهنة أو الأشخاص ذوي النفوذ لإطلاق سراحه من المنفى أو من العمل القسري، فتم إطلاق سراحه...

كان البابا فيكتور الأول يقوم بالإنفاق عليه، وعن طريقه أصبح شماسًا في كنيسة روما، وكذلك الحال في عهد البابا زيفرينوس الذي عينه مسؤولاً عن سراديب الموتى، التي أعيد اكتشافها عام 1849م.

عند انتخابه أسقفًا لروما (حوالي 217م أو 218م)، دخل في صراع لاهوتي مع هيبوليتوس، الذي رفض بعض سياساته، واعتبرها تساهلاً مفرطًا، حتى أنه أصبح هيبوليتوس “بابا مضادًّا” يدّعي مزاحمة كاليستوس في رئاسة الكنيسة.

المعارضة من هيبوليتوس شملت اتهامات بأن كاليستوس كان يقر سياسات متساهلة جدًا في التوبة والإعفاء من الخطايا، خاصة الخطيئة الجنسية، وأنه سمح بزواج من سبق له زواج أو من فئات يُمنع الزواج بينها (كالعبيد والأحرار).

أيضًا في صراع لاهوتي، يُذكر أن كاليستوس أدان بدعة سابيليوس (الموناركية) ـ التي تذيب التمايز بين الآب والابن (الرب ويسوع) في الثالوث المسيحي ـ وهذا أظهر أن كاليستوس لم يكن متبنّياً لهذه البدعة، بل معارضًا لها.  

اعتبر البابا كاليستوس أشهر لاهوتي في عصره، قال عنه عدد من مؤرخي الكنيسة القدماء، أنه شرّع للأساقفة المتزوجين العمل، وسمح للنساء الدراسة الدينية، والزواج من خارج الطبقة الاجتماعية التي ينتمي الفرد إليها وهو ما يعتبر انتهاكًا للقانون المدني الروماني، كما أنه سمح للكهنة والشماسين الزواج من جديد بعد وفاة زوجاتهم، وسمح أيضًا بوسائل منع الحمل والإجهاض نظرًا لكون المعتقدات السائدة آنذاك بعدم وجود روح في الجنين خلال الأيام الأربعين الأولى من الحمل. ومع هذه القرارات الاجتماعية الحافلة، يعتبر البابا من أهم بابوات القرون المسيحية الثلاث الأولى.

نعرض البابا للاضطهاد وقتل غرقًا برميه في نهر التيبر في 14 تشرين الأول / أكتوبر 222م، ومن ثم استطاع كاهن في روما التقاط الجثة ودفنها، ولما اكتشف الإمبراطور شخصية الكاهن، أمر بقتله ورمي جثمانه من فوق نهر التيبر. أما البابا فقد نودي به شهيدًا وقديسًا في روما، ودفن في مقبرة على طريق خارج روما.

 

ــــــــــــ

إقرأ أيضاً

نيرون يحرق روما.. ويتسبب بقتل آلاف السكان.. ويتهم المسيحيين و ينتقم منهم

إعدام إمبراطور روسيا القديس نيقولا الثاني والتمثيل بجثته وجثة زوجته وبناته

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة