بوابة صيدا
في خريف عام 1770م، سقطت قلعة بندر العثمانية في يد الجيش الروسي، دون مقاومة تُذكر. لم يكن الحدث مجرد انتصار عسكري، بل كان إعلانًا صريحًا بانكسار السلطنة العثمانية أمام صعود الإمبراطورية الروسية، التي كانت تتقدّم بثبات تحت راية الإمبراطورة كاترين الثانية.
بندر، الحصن الذي طالما شكّل خط دفاع استراتيجي في شمال الدولة العثمانية، تحوّل في ساعات إلى رمز للهزيمة. الجنود الروس لم يواجهوا جيشًا منظمًا، بل مدينة منهكة، وسكانًا مذعورين، انتهى بهم الأمر إلى مجزرة دموية، حيث ذُبح المسلمون بالسيف، في مشهدٍ جسّد قسوة الحرب وانهيار الردع العثماني.
سقوط بندر لم يكن نهاية معركة، بل بداية مرحلة جديدة من التراجع العثماني، ومقدمة لمعاهدة مذلّة ستُوقّع لاحقًا، تُعيد رسم حدود النفوذ في أوروبا الشرقية، وتمنح روسيا موطئ قدم دائم في البحر الأسود.
هذه ليست قصة قلعة، بل قصة إمبراطورية بدأت تتصدّع... وأخرى تنهض من بين الأنقاض.
كانت قلعة بندر (تقع في مدينة بيندير الحالية في مولدوفا، والتي كانت آنذاك جزءًا من الإقليم العثماني المعروف بـ "إيالة البغدان") واحدة من أقوى الحصون العثمانية على نهر دنيستر. كانت مفتاحًا للدفاع عن المناطق العثمانية في البلقان وتهديدًا لأي تقدم روسي.
دعمت روسيا تمردًا كبيرًا في منطقة البغدان بقيادة باركونفوجي والذي كان يهدف إلى إضعاف العثمانيين من الداخل. و كان المتمردون يتقدمون بمساعدة القوات الروسية.
عندما تولى السلطان مصطفى الثالث سنة 1171هـ ـ 1757م جعل له أولوية كبرى وهي تأديب روسيا، وتحجيم خطرها قبل أن يستفحل وتزداد طموحاتها في منطقة البلقان أكثر من ذلك، خاصة وأن قبائل القوزاق التابعة لروسيا قد اعتدت على حدود الدولة العثمانية، فكلف السلطان مصطفى الثالث خان القرم «كريم كراي» بالإغارة على الأراضي الروسية، فحقق انتصارات كبيرة سنة 1182هـ.
قرر الروس الانتقام لمصابهم، فهجموا على العديد من المدن والمواقع العثمانية في إقليمي الأفلاق والبغدان، وضربوا عليها حصاراً شديداً من 15 تموز / يوليو 1770م (22 ربيع الأول 1184 هـ) حاول الصدر الأعظم فك الحصار ففشل فعوقب بالعزل ثم القتل، وحاول الذي بعده فك الحصار ففشل هو الآخر بسبب فيضان نهر الدينستر الذي أغرق معظم الجيش العثماني وذلك أواخر سنة 1183هـ (1769م)، وتركت المدن المحاصرة لمصيرها المحتوم.
في 27 أيلول / سبتمبر 1770م (7 جمادى الآخرة 1184هـ) / (16 أيلول / سبتمبر 1770م وفقًا للتقويم اليولياني المستخدم آنذاك) بعد حوالي شهرين من الحصار، قام الحفارون الروس بزرع ألغام تحت سور القلعة، مما أدى إلى انفجار قوي، ثم انهيار جزء من الجدار، مما مهد لاقتحام القلعة.
اقتحم الروس القلعة بجيش يقدر بـ 33000 مقاتل، و استبسلت حاميتها العثمانية المقدرة ما بين 12500 و 18000 بين عسكري ومدني في الدفاع عنها فترة طويلة، وأوقعت بين المهاجمين ما يقدر بـ 1700 قتيل، وعدد كبير من الجرحى، وقتل من المسلمين أكثر من 7000 شخص، بينما بلغ عدد الأسرى حوالي 5300 شخص.
بعد الاستيلاء عليها، تقول بعض المصادر، أن الروس ارتكبوا مجزرة فيها، وذلك بذبح جميع المسلمين فيها بالسيف، وتطرق الأرشيف الروسي إلى المعارك العنيفة التي وقعت بين المهاجمين الروس والمدافعين الأتراك داخل القلعة، وسقوط عدد كبير من المسلمين قتلى وأسرى، لكنه لم يتطرق إلى مذبحة للمدنيين..
قام الروس أيضاً بتفجير وتدمير أجزاء كبيرة من تحصينات قلعة بندر لمنع العثمانيين من استخدامها مرة أخرى كقاعدة ضدهم.
و كان سقوط بندر ضربة قاسية للعثمانيين، حيث فتح الطريق أمام التقدم الروسي في الأراضي العثمانية في منطقة الدانوب والبحر الأسود، وساهم بشكل كبير في تغيير ميزان القوى لصالح روسيا.
و اضطرت الدولة العثمانية لاحقًا إلى توقيع هدنة مؤقتة عام 1772م، ثم معاهدة كيتشوك كاينارجي عام 1774م، التي كانت مذلّة سياسيًا، إذ اعترفت فيها السلطنة باستقلال القرم، ومنحت روسيا امتيازات تجارية ودينية داخل الأراضي العثمانية، و نصّت المعاهدة" على إعادة بعض الأراضي العثمانية..
ــــــــــــ
إقرأ أيضاً
معركة أقليش (معركة الكونتات السبعة) قلة مسلمة تنتصر على نصارى الأندلس
ماجلان.. قائد حملة صليبية قتل آلاف المسلمين.. وليس رحالة بحري ومستكشف إسباني
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..