بوابة صيدا ـ
في صيف عام 1526، وعلى سهول موهاج المترامية جنوب المجر، لم تكن المعركة مجرد صدام بين جيشين، بل كانت لحظة فاصلة بين زمنين: زمن الصلوات وزمن المدافع. دخل السلطان سليمان القانوني أرض المعركة وهو يحمل راية الدولة العثمانية، لا كغريب عن أوروبا، بل كقوة تصوغ مستقبلها. وفي المقابل، وقف لويس الثاني ملك المجر، مدعومًا بصلوات الكنائس وأحلام أوروبا الكاثوليكية في صدّ الزحف العثماني.
لكن المدفع كان أبلغ من التراتيل، والخطة العثمانية كانت أذكى من الحماسة الملكية. ففي ساعات قليلة، انهار الجيش المجري، وغرق الملك في مستنقع الهزيمة، وسقطت المجر في قبضة التاريخ الجديد.
موهاج لم تكن مجرد انتصار، بل كانت إعلانًا مدويًا أن أوروبا لم تعد محصّنة، وأن السلطنة العثمانية لم تعد تقف على الأطراف، بل دخلت قلب القارة، ودوّى صوتها فوق صمت الكنائس.
في هذه السطور، نروي كيف تحوّلت المعركة إلى زلزال سياسي، وكيف غيّرت موهاج ملامح أوروبا إلى الأبد.
بعد توسع الدولة العثمانية في البلقان، أصبحت مملكة المجر آخر قوة مسيحية كبيرة تقف أمام تقدم العثمانيين نحو أوروبا الوسطى. وكانت المجر حليفة للإمبراطورية الرومانية المقدسة والبابوية، لكن ضعف التنسيق السياسي والعسكري جعلها عرضة للخطر.
وكان السلطان سليمان القانوني يواصل سياسة أسلافه في التوسع في أوروبا. وكانت بلغراد قد سقطت في يده عام 1521م، فأصبحت الطريق إلى قلب مملكة المجر مفتوحًا.
و كانت مملكة المجر تعاني من ضعف داخلي بسبب صراعات النبلاء وعدم استقرار الملك لويس الثاني، رغم هذا الضعف، والتخبط داخل مملكة المجر، رفض الملك لويس الثاني دفع الجزية السنوية التي كان يتلقاها السلطان العثماني من ملك المجر السابق، اعتقادًا منه أن بإمكانه الصمود أمام الجيش العثماني.
اختار المجريون موقعًا مفتوحًا بالقرب من بلدة موهاج جنوبي المجر، وكانت الخطة المجرية هي الهجوم السريع والمباشر لكسر صفوف العثمانيين.
في 29 آب / أغسطس 1526م (21 ذي القعدة 932هـ) شن الفرسان المجريون هجومًا عنيفًا، ونجحوا في البداية في اختراق بعض صفوف العثمانيين، لكن الخطة كانت فخًا نصبّه العثمانيون. حيث سمحوا للمجريين بالتقدم، ثم حاصروهم من الجانبين بواسطة المدفعية العثمانية الثقيلة والإنكشارية الذين كانوا مختبئين.
تحول الهجوم المجري إلى فوضى عارمة. فالمدفعية العثمانية حصدت صفوف الفرسان، وسهام الإنكشارية أنهت المهمة، استمرت المعركة ساعتين فقط، وكانت بمثابة مذبحة للجيش المجري.
أدت المعركة إلى مقتل الملك لويس الثاني وهو يفر من ساحة المعركة (غرق في نهر بسبب درعه الثقيل)، وقُتل أيضًا قائد الجيش بال توموري ومعظم نبلاء ونخبة المملكة.
و أدى مقتل الملك دون وريث إلى فراغ كبير في السلطة، فانقسمت المجر إلى ثلاثة أجزاء:
المجر العثمانية: احتل العثمانيون الجزء الأوسط والجنوبي، بما فيه العاصمة بودا.
مملكة المجر الغربية (مجر هابسبورغ): تولى فرديناند الأول من آل هابسبورغ (شقيق الإمبراطور شارلكان وزوج أخت الملك لويس) الحكم في الغرب.
إمارة ترانسيلفانيا: أصبح جورج زابوليا (الذي لم يشارك بشكل فعال في المعركة) حاكمًا لترانسيلفانيا كدولة تابعة للعثمانيين.
وأدى هذا الانتصار إلى فتح الطريق أمام العثمانيين لغزو فيينا عاصمة النمسا عام 1529م، وإلى تغير ميزان القوى في أوروبا الوسطى لصالح الدولة العثمانية.
و أثارت الهزيمة المجرية قلقًا شديدًا في أوروبا الكاثوليكية، خصوصًا في النمسا والولايات البابوية، التي رأت في التوسع العثماني تهديدًا مباشرًا للمسيحية، و بدأت الدعوات إلى تشكيل تحالفات صليبية جديدة، لكن الانقسامات الأوروبية حالت دون توحيد الصفوف.
وعززت المعركة صورة العثمانيين كقوة لا تُهزم، وأثارت موجة من الذعر السياسي والديني في الغرب.
ــــــــــــ
إقرأ ايضاً
فرناندو يحتل قرطبة وإشبيلية.. بمساعدة حاكم مسلم بعد 5 قرون من الحكم الإسلامي
الأرمن يحاولون اغتيال السلطان عبد الحميد بعد خروجه من صلاة الجمعة
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..