• لبنان
  • الأربعاء, آب 27, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 7:30:07 م
inner-page-banner
من صفحات التاريخ

أقصر حرب في التاريخ: 40 دقيقة من المجد والخذلان

بوابة صيدا

الحرب الإنجليزية الزنجبارية، هي حرب قامت بين المملكة المتحدة وزنجبار المسلمة بقيادة سلطان أرعن متهور، في 27 آب / أغسطس من عام 1896م. استمرت المعركة 40 دقيقة لتكون بذلك أقصر حرب مسجلة في التاريخ.

تقع جزيرة زنجبار بالقرب من ساحل تنجانيقا في المحيط الهندي، وقد كانت دولة ذات سيادة أما الآن فهي تتبع تنزانيا.

خضعت زنجبار للبرتغاليين ابتداءً من عام 1499م ثم جاء العمانيون الذين أخرجوهم من الجزيرة فخضعت لهم منذ عام 1698م وحتى عام 1858م عند مجيء السلطان ماجد بن سعيد فأعلن استقلال سلطنة زنجبار عن عُمان، وقد شجعت بريطانيا ذلك الاستقلال ففصلت الجزيرة بممتلكاتها المطلة على الساحل الإفريقي عن سلطنة عُمان بممتلكاتها على الساحل الآسيوي. 

كان للإنجليز تاريخ طويل من التفاعل مع زنجبار، وقد اعترفت دولتهم بسيادة الجزيرة وسلطنتها عام 1886م. وذلك لمحاولتهم الإبقاء على علاقات صداقة مع تلك الدولة وسلطانها. وكذلك كان الألمان أيضاً مهتمين بشرق أفريقيا، لذا فقد تنافست تلك القوتان للسيطرة على حقوق التجارة ومناطقها في هذا الجزء من القارة أواخر القرن التاسع عشر. فالسلطان خليفة بن سعيد منح حقوقاً في الأراضي الكينية لبريطانيا والأراضي التنجانيقية لألمانيا، وتلك العملية أسفرت عن حظر الرق في تلك الأراضي.

بعد وفاة خليفة عام 1890 تسلم الحكم السلطان علي بن سعيد، وبعد وفاته في عام 1893م، تولى السلطان حمد بن ثويني حكم زنجبار، فحافظ على العلاقات الطيبة مع الإنجليز ولكن كان هناك انشقاق بسبب عدم الرضا عن خضوعه لهيمنتهم المتزايدة على البلد، ولقيادتهم للجيش وإلغاء تجارة الرقيق المربحة. ولأجل السيطرة على هذه المعارضة، رخصت السلطة الإنجليزية للسلطان بزيادة قوة حرس القصر الزنجباري إلى 1,000 رجل، ولكن تلك القوة سرعان ما بدأت بمناوشات مع الشرطة والتي كانت هي أيضاً خاضعة للإنجليز. وقد اشتكى القاطنون الأوربيون في مدينة زنجبار أيضا من تصرفات حرس القصر.

توفي السلطان حمد فجأة يوم 25 آب/أغسطس 1896م. وقام ابن عمه خالد بن برغش ذو الإثنين وعشرين ربيعاً - وهو المتهم الرئيسي بموت السلطان حمد عن طريق تسميمه - بالاستيلاء على الحكم واحتلال القصر دون أي إذن من الإنجليز، وهو ما يخالف الاتفاقية الموقعة مع السلطان علي بن سعيد. وبما أن الإنجليز كانوا يفضلون المرشح البديل وهو حمد بن محمد، وهو أيضاً أكثر ميلاً لهم، فقد قاموا بتحذير خالد عن طريق القنصل والوسيط الدبلوماسي في زنجبار باسيل كيف والجنرال ماثيوز لكي يفكر ملياً بالتصرف الذي فعله ويقرر التنازل عن الحكم. وكانت تلك الطريقة قد أثبتت نجاحها قبل ثلاث سنوات عندما طالب خالد بعرش السلطنة بعد وفاة عمه السلطان علي ولكن القنصل البريطاني العام المدعو رينيل رود أقنعه بخطورة هذا التصرف.

تجاهل خالد إنذار باسيل كيف وبدأت القوة الموالية له تحشد نفسها في منطقة القصر وبقيادة آمر حرس القصر المدعو صالح. وما أن انتهى اليوم إلا وتجمعت له قوة تعدادها التقريبي 2,800 رجل مسلح ببنادق بعضها قديمة وبالية. وكان معظم هؤلاء الرجال من المدنيين، ولكن كان من بينهم 700 جندي زنجباري من الذين وقفوا بجانب السلطان خالد. وتتكون مدفعية السلطان من عدة رشاشات مكسيم وجاتلنغ، ومدفع برونزي يعود إلى القرن السابع عشر ومدفع ميدان، كانت موجهة ضد السفن البريطانية الموجودة بالميناء. وقد أهدي مدفع الميدان إلى السلطان من فيلهلم الثاني إمبراطور ألمانيا، وقد استولت قوات السلطان على السفن العسكرية التابعة للبحرية الزنجبارية والمكونة من مركب خشبي يدعى غلاسكو والذي بني عام 1878 كيخت سلطاني.

بدأ ماثيو وكيف بحشد قواتهما، حيث كان لديهما 900 عسكري زنجباري بقيادة الملازم أرثر رايكس آمر فوج ويلتشر الذي أُعير للجيش الزنجباري ويحمل رتبة عميد. رست السفينتان فيلومل وثراش بالميناء ونزل منهما 150 من رجال البحرية ومشاة البحرية.

حاول السلطان الحصول على اعتراف القنصل الأمريكي ريتشارد دورسي موهان، ولكن القنصل رد بأن استلامه للمنصب "لم يأخذ موافقة حكومة جلالة الملكة، لذلك فمن الاستحالة إعطائه الرد بالموافقة".

واستمر باسيل كيف بإرسال الرسائل إلى السلطان بضرورة انسحابه مع القوات من القصر والعودة إلى مقره، ولكن السلطان خالد استمر بتجاهله معتبراً أنه سيعلن تنصيبه كسلطان الساعة 15:00 وبشكل رسمي، وهذا ما اعتبره كيف عملاً من أعمال التمرد، وأوضح أن الحكومة البريطانية لن تعترف بشرعية سلطنة خالد.

تم دفن السلطان حمد الساعة 14:30 وبعدها بنصف ساعة أطلقت المدفعية التحية السلطانية من قصر الحكم معلنة تنصيب السلطان خالد. ولم يبدأ كيف بالقتال إلا بعد الحصول على إذن من الحكومة، وقد أبرق إلى مكتب الشؤون الخارجية لوزارة اللورد سالزبري في لندن قائلا: "هل لدينا التفويض الكامل بعد جميع محاولات الحلول السلمية التي لا طائل منها، بالسماح لجنودنا بإطلاق النار على القصر؟". وقد طلب كيف من جميع القنصليات تنكيس الأعلام حداداً على وفاة السلطان حمد، وكان علم القصر السلطاني العلم الوحيد الذي استمر مرفوعاً. وقد أبلغهم كيف أيضاً بعدم اعترافه بشرعية خالد كسلطان.

حاول كيڤ أن يفاوض خالد حول إمكانية التنازل كمحاولة أخيرة ولكنه فشل مما حدا براوسون أن يرسل إنذاراً نهائياً، طالباً من السلطان خالد بإنزال العلم وترك القصر عند الساعة 09:00 يوم 27 آب/أغسطس كحد أقصى، وإلا فإنه سيواجه إطلاق النار عليه.

خلال نهار ذلك اليوم ومسائه تم إخراج جميع السفن الراسية بالميناء، وقد أرسل الأطفال والنساء البريطانيون إلى السفينة سانت جورج وإلى سفينة تجارية تابعة لشركة الهند البريطانية للملاحة البحرية ليكونوا بأمان من الحرب. وبالليل حسب ماكتبه القنصل موهان بمذكراته: "الهدوء المرعب كان سيد الموقف في زنجبار. بالعادة كنا نسمع قرع الطبول أو بكاء الأطفال ولكن بتلك الليلة كان المكان هادئاً تماما".

في الساعة 8:00 من صبيحة يوم 27 آب / أغسطس، وبعد وصول مبعوث من طرف السلطان خالد طالبا التفاوض مع كيڤ، رد القنصل بأن الخلاص الوحيد له هو الموافقة على شروط الإنذار النهائي.

وفي الساعة 8:30 وصلت رسالة أخرى من خالد يعلن فيها بأنه "لا توجد لدينا نية لنكس العلم ولا نعتقد أيضا بأنكم ستبادرون بإطلاق النار علينا". فرد كيڤ: "لا نود أن نطلق النار عليكم ولكن إن كنتم مصممين على ماقلتم فسنضطر إلى فعل ذلك".

وحتى الساعة 8:55 عندما لم تصل أي رسالة من القصر، أطلق قائد السفينة سانت جورج إشارة التجهيز للعملية.

في الساعة 9:00 أمر الجنرال لويد ماثيوز من السفن البريطانية الشروع بالقصف المدفعي. ولم تمر الساعة 9:02 إلا وبدأت السفن راكون وثراش وسبارو بإطلاق النار صوب القصر، الطلقة الأولى لثراش أسقطت المدفع الزنجباري. فالمدافعين والخدم وحتى العبيد كانوا موجودين في القصر الكبير وعددهم حوالي 3,000 قد وضعوا حواجز خشبية ومطاط، وقد كان هناك العديد من الضحايا من القذائف الشديدة الانفجار.

قال مراسل رويترز: "إن السلطان قد فر من الطلقة الآولى مع جميع قادته، وتركوا عبيدهم وخدمهم يواصلون القتال"، ولكن مصادر أخرى قالت بأنه ظل بالقصر فترة أطول. وقد توقف إطلاق القذائف تمام الساعة 9:40 عندما اشتعلت النيران في القصر وقصر الحريم المجاور له، وتوقف إطلاق النار من صوب المدافعين وأسقط علم السلطان.

خلال فترة القصف المدفعي جرى اشتباك بحري صغير في الساعة 09:05 عندما أطلق الطراد جلاسكو القديم نيرانه باتجاه السفينة سنت جورج مستخدما رشاشات مثبتة به، وهو كان قد اهدي لسلطان زنجبار من الملكة فيكتوريا. فردت عليه السفينة بإطلاق نيرانها باتجاهه مما تسبب بغرق الطراد، وقد رفع طاقم السفينة جلاسكو العلم البريطاني عندما أخذوا كأسرى وقد تم انقاذهم جميعا ووضعهم في قوارب النجاة.

وقد تم إطلاق نار متبادل على الأرض الزنجبارية ما بين رجال خالد وعسكر رايكن، ولكن سرعان ما توقفت عندما وصلوا للقصر. وتوقف القتال مع توقف القصف، وتمكن الجند البريطانيون من استحكام الوضع بالمدينة والقصر، ولم يمض الظهر حتى تم تنصيب السلطان حمود بن محمد سلطانا على زنجبار، مع التقليل من قدراته كحاكم على السلطنة.

خلال تلك المعركة اطلقت السفن 500 قذيفة مدفع و4100 طلقة مدفع رشاش و1000 طلقة بندقية.

أصيب جراء القصف حوالي 500 رجل وإمراة ما بين قتيل وجريح، وكان معظم القتلى بسبب اجتياح القصر. ولم يُعرف عدد القتلى من المحاربين، وقيل بأنه قد تم القضاء على جميع المحاربين من رجال خالد.

أما في الجانب الإنجليزي فقد أصيب جندي من سفينة ثراش بعدة إصابات، وقد تعافى منها بعد ذلك.

لجأ السلطان خالد وقائده صالح ومعهم أربعون من أصحابهم إلى القنصلية الألمانية بعد انتهاء القتال في القصر، حيث وضعوا تحت حماية عشرة من البحارة الألمان والبحرية المسلحين جيداً بينما كان رجال ماثيو مرابطين في الخارج في محاولة لاعتقالهم إن حاولوا الخروج.

بالرغم من طلبات التسليم فإن القنصل الألماني رفض تسليم خالد للإنجليز حيث أن اتفاقية تسليم المجرمين مع بريطانيا تستثني بشكل واضح السجناء السياسيين. وعوضاً عن هذا فقد وعد القنصل بأنه سيرسل خالد إلى مستعمرة ألمانية، وفي يوم 2 تشرين الأول / أكتوبر تم ترحيله إلى دار السلام في شرق أفريقيا المحتلة من المانيا..

ألقت القوات البريطانية القبض على خالد عام 1916 خلال الحملة على شرق أفريقيا في الحرب العالمية الأولى، فنفته إلى السيشل ثم إلى جزيرة القديسة هيلانة قبل أن يُسمح له بالعودة إلى شرق أفريقيا حيث مات في ممباسا عام 1927.

عوقب معاونو السلطان خالد بأن أجبروا على دفع التعويضات اللازمة لتغطية كلفة القذائف التي أطلقت عليهم وكلفة الأضرار المتسببة جراء النهب والتي قدرت بحوالي 300,000 روبية.

خضع السلطان الجديد السلطان حمود للإنجليز وأصبح حاكماً شكلياً لحكومة تديرها بريطانيا بالأساس، ومع ذلك فقد أبقاه الإنجليز على رأس السلطنة لكي يتجنبوا التكاليف التي تنطوي عليها إدارة زنجبار مباشرة على اعتبار أنها مستعمرة تابعة للتاج.

 

ـــــــــــ

إقرأ أيضاً

معركة تحرير الفاو.. المعركة الفاصلة في الحرب العراقية الإيرانية

تيمورلنك يزحف بقواته الجرارة.. ويرتكب المجازر في بلاد المسلمين

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة