طارق أبو زينب ـ نداء الوطن
صيدا، بوابة الجنوب ، ليست مجرد مدينة، بل رمز حي للتعايش والانفتاح بين المسلمين والمسيحيين. لم يكن الوجود المسيحي في صيدا مجرد تفصيل، بل شكّل ركيزة أساسية في نهضتها الثقافية والتعليمية. استمدت المدينة مكانتها كمركز للتعددية والانفتاح من جذورها التاريخية والدينية العميقة، إذ تُعد زيارة السيد المسيح لها حدثاً بارزاً في تاريخها. فبحسب الإنجيل، مرَّ المسيح برفقة تلاميذه عبر صور وصيدا، حيث التقى بالسيدة الكنعانية التي ناشدته شفاء ابنتها المريضة.
واستجابةً لإيمانها العميق، أجرى معجزة شفاء للطفلة، ما يعكس الدور التاريخي لصيدا كميدان للقاء الثقافات والتفاعل بين الطوائف المختلفة .
المطران سليم غزال... جسر العبور وسط العاصفة
من بين الشخصيات التي أثرت في تاريخ صيدا المعاصر، يبرز المطران الراحل سليم غزال، الذي كان رمزاً للاعتدال والتسامح في أصعب فترات الحرب الأهلية. رفض مغادرة المدينة وظل صامداً في قلب العاصفة، مؤمناً بقدرة صيدا على تخطي محنتها .
اشتهر المطران غزال بمواقفه الشجاعة التي نادت بالوحدة والتعايش المشترك بعيداً من الانقسامات الطائفية. استمر في مد يده للجميع، مقدماً الدعم للمحتاجين دون تمييز، ليصبح اسمه رمزاً للسلام وصورة لصيدا التي لا تنكسر .
التحديات وآراء النائبة غادة أيوب
المسيحيون في صيدا ما زالوا يشغلون موقعاً محورياً في الحياة الثقافية والاجتماعية للمدينة، رغم التحديات الكبرى والتحولات التي مرّت بها على مر العقود هذا ما أكدته النائبة غادة أيوب في حديث لـ "نداء الوطن" مشيرة إلى أن المسيحيين لا يزالون يسهمون بفعالية في مجالات متعددة، بما في ذلك التعليم والفن والعمل الاجتماعي، حيث تلعب المؤسسات الكاثوليكية والدينية والثقافية، مثل خان صاصي التراثي، مصبنة عودة، وقصر دبانة، دوراً حيوياً في الحفاظ على هذا الوجود الفاعل. ولكنها نوهت إلى أن التحديات الاجتماعية والسياسية، بما في ذلك هجرة الشباب والشعور بعدم الاستقرار السياسي، إضافةً إلى الأزمة الاقتصادية، أسهمت في تراجع الدور المسيحي في بعض المجالات .
وفي ما يتعلق بظاهرة الهجرة، أشارت أيوب إلى أن جميع الطوائف في لبنان تعاني من تبعات الهجرة، التي لم تعد مقتصرة على فئة بعينها، بل هي نتاج مباشر للوضع المتأزم. وشدّدت على أن البحث عن مستقبل أفضل هو العامل الرئيس وراء هذه الهجرة، موضحة أن التراجع السكاني للمسيحيين في صيدا، سواء بالانتقال إلى بيروت أو الهجرة خارج لبنان، يعدّ تحدياً حقيقياً يجب مواجهته .
وشدّدت أيوب على أن تراجع أعداد المسيحيين في صيدا يمثل تهديداً كبيراً لمكانتهم ودورهم في الحياة العامة، مؤكدة أن التعاون المشترك بين النواب والكنيسة وأبناء المدينة سيُسهم في مواجهة هذه التحديات وتعزيز دور المسيحيين في صيدا.
الهجرة أم انتقال طوعي؟
يؤكد المؤرخ والباحث في تاريخ صيدا، الدكتور طالب محمود قرة أحمد، أن تراجع الوجود المسيحي في المدينة يعود إلى رغبة العديد من الأفراد في تحسين أوضاعهم الاقتصادية أو للالتحاق بأقاربهم في الخارج. لذا، قد يكون وصف هذه الظاهرة بـ"الهجرة" مبالغاً فيه، إذ إن العديد من العائلات التي انتقلت إلى بيروت أو خارج لبنان لا تزال تحافظ على علاقات وطيدة مع صيدا .
ويشير قرة أحمد إلى أن منطقة "قناية صيدا" تحتفظ بعدد كبير من المسيحيين كما يلفت إلى دور المسيحيين الفاعل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال مشاركتهم في الأنشطة التجارية والتفاعل السياسي في الانتخابات. هذه الظواهر تعكس التعددية والانفتاح اللذين ميزا صيدا.
على سبيل المثال، لا يزال "حي ما رنقولا" في المدينة القديمة محتفظاً باسمه وتاريخه، ما يعكس العمق التاريخي للعلاقة بين المسيحيين وصيدا .
ويختتم قرة أحمد بتأكيد أن التنوع الذي تتمتع به صيدا هو مصدر قوتها، حيث ساهمت المؤسسات السياحية والثقافية في تعزيز هذه القوة. حيث تسود روح التنافس الإيجابي بين مختلف الطوائف للنهوض بالمدينة والحفاظ على إرثها الثقافي.
وديع ظباط: صيدا جزء من هويتنا
يؤكد وديع ظباط، أحد أبناء صيدا المسيحيين، في تصريح لـ"نداء الوطن": "صيدا ليست مجرد مكان للسكن، بل جزء لا يتجزأ من الهوية والانتماء، مهما كانت التحديات. رغم تقلص الوجود المسيحي في صيدا على مر السنين، لم أشعر يوماً بأنني غريب عن مكوناتها.
علاقتنا بالمدينة متجذرة، فهي ليست مجرد ذكريات، بل أسلوب حياة. لا يمكن أن نبتعد عن صيدا، لأننا جزء من نسيجها الاجتماعي والثقافي، وسنبقى نحافظ على إرثنا فيها كما فعل أجدادنا".
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..