ياسر الزعاترة
ما زال بعض أدعياء الحكمة والتحليل يُعيدون الكلام عن صوابيّة قرار "الطوفان"، من دون أن يسأل أحدهم نفسه عن صوابيّة تكرار هذا الكلام بمناسبة ودون مناسبة، بدل التركيز على الإبادة والخذلان، فضلا عن الإنجازات التي حققها، بجانب أزمات العدو.
هؤلاء إن كانوا مخلصين ومحبّين يستحقون نصيحة تقول: من فقه الكلمة إنه لا يكفي أن يكون الكلام صحيحا حتى يكون نشره أو قوله مناسبا، إذ يجب أن يكون المقام صحيحا، والتوقيت كذلك، بحيث لا يفضي إلى ضرر أكبر من النفع، كأن يخدم عدوا صائلا دون حاجة ماسّة لذلك، فكيف إذا كان خاطئا، أو خلافيا في أقل تقدير؟!
أما عن صوابيّة "الطوفان" من عدمه، فإن تقييم المعارك والحروب لا يكون من زاوية واحدة (هي التضحيات هنا). ولو حدث تقييم موضوعي لما جرى حتى الآن، وعاد الزمن إلى الوراء، فإن قرار "الطوفان" يغدو صائبا لأنه قلب الطاولة في وجه "كيان" له أذرع عالمية، وهدفه هو تركيع أمّة بأسرها، وليس الشعب الفلسطيني وحده.
إن قراءات لا تُحصى لصهاينة كبار حول كتابة "الطوفان" بداية النهاية للمشروع الصهيوني برمّته، إنما هي تأكيد على صوابيته، رغم الثمن الباهظ، والذي يقول تاريخ الثورات الكبرى إن أثمانا أكبر قد دُفعت في سبيل التحرير، وإن معارك جرى تجريمها من البعض وقت حدوثها بسبب تضحياتها، ما لبثت أن أصبحت محطة للتحرير، كما هو حال هجوم "تيت" في حالة الثورة الفيتنامية، والأمثلة كثيرا في "هاييتي" وسواها.
ولعل من العبث أن تجد أناسا ينحازون لثورة سوريا (نحن أكثر انحيازا لها منهم ونكتب ضد النظام منذ 4 عقود)، ويخطّئون "الطوفان" في آن، مع أن ما جرى في سوريا كان مستحيلا بدون "الطوفان" وتداعياته، بصرف النظر عما إذا كان قادته يقصدون ذلك أم لا، لأن الأحداث السياسية هي نتاج شبكة من معقّدة من الظروف الموضوعية والمواقف وردود الأفعال.
أما الأسوأ، فهم أولئك الذين يزايدون علينا في الانحياز للدّم الفلسطيني، مع أن "لحن القول" يفضحهم، لا سيما ممن ينتمون لعُصبة "إحمونا" التي تنسى عموم معاركها وما أسفرت عنه من معاناة لشعبنا، من دون تحقيق أي إنجاز يُذكر للقضية، اللهم سوى منح الشرعية لـ"الكيان" الغاصب!
إن معركة ذهب أبطالها شهداء يتقدّمون الصفوف لا تستحق هذا العبث الفكري والسياسي، اللهم إلا إذا كان بوسع بعضهم إدانة قرار معركة مؤتة، لأنها انتهت بـ"الفرار" بمنطق الهجّائين، وليس بروحية الكرّ القادم بمنطق النبيّ العبقري المُسدّد، عليه الصلاة والسلام.
نتذكّر هنا بيتين من شعر "الحطيئة" تصلح ها هنا:
أَقِلّوا عَلَيهِم لا أَباً لِأَبيكُمُ
مِنَ اللَومِ أَو سُدّوا المَكانَ الَّذي سَدّوا
أولَئِكَ قَومٌ إِن بَنَوا أَحسَنوا البُنى
وَإِن عاهَدوا أَوفَوا وَإِن عَقَدوا شَدّوا
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..