• لبنان
  • الأربعاء, تشرين الثاني 26, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 3:42:51 ص
inner-page-banner
من صفحات التاريخ

معركة تل الجزر: الهزيمة التي سبقت انتصار حطين

بوابة صيدا

في عالم الأبطال والقياصرة، نادرًا ما تُروى قصص الهزائم. لكن التاريخ يعلمنا أن أعظم الانتصارات تكون وليدة أقسى الهزائم. هذه هي قوة الفشل عندما يتحول إلى مدرسة، والتراجع عندما يصبح فرصة للارتداد الأقوى.

تخيلوا معي مشهدًا لا يتناسب مع الصورة النمطية للبطل القائد: صلاح الدين الأيوبي، موحد العالم الإسلامي وقاهر الصليبيين في المخيلة الجماعية، ينهزم، ويخسر عدد كبير من جيشه، هذا ليس خيالًا، بل هو ما حدث بالفعل في 25 تشرين الثاني / نوفمبر 1177م (25 جمادى الأولى 573هـ) عند تل الجزر.

كيف وصل البطل إلى هذه الحال؟ الجواب يكمن في "الاستهانة بالخصم". لقد وقف صلاح الدين على أعتاب نصر سهل، ليخسر كل شيء في ساعات قليلة. لكن هذه الهزيمة بالذات، رغم مرارتها، كانت الدرس الذي لم يكن بمقدور أي نصر أن يعلمه إياه؛ درس في التخطيط، وأهمية عدم الاستهانة بخصم حتى ولو كان فتىً مريضًا في السادسة عشرة من عمره!

هذه ليست قصة هزيمة عابرة، بل هي "الفاتحة الحقيقية لأعظم انتصار". فمن رحم هذه الكارثة العسكرية، خرج صلاح الدين بإستراتيجية جديدة، وعزيمة أصلب، وفهم أعمق لعدوه، ليصنع بعدها بعشر سنوات "أسطورة حطين" الخالدة. فمرحبًا بكم في قصة "الهزيمة التي صنعت المنتصر".

معركة تل الجزر أو معركة الرملة أو معركة مونجيسار أو معركة مونتجيسارد، هي معركة دارت بين الأيوبيين ومملكة بيت المقدس في 25 تشرين الثاني / نوفمبر 1177م (25 جمادى الأولى 573هـ) في منطقة تل الجزر بالقرب من الرملة بين صلاح الدين الأيوبي قائد الأيوبيين وبين بلدوين الرابع ذو الستة عشر عاما قائد مملكة بيت المقدس، تمت المواجهة وكانت خسائر القوات الأيوبية فادحة حيث خسروا المعركة، ونجح جزء من جيش الأيوبيين في الهرب بأمان.

كانت معركة تل الجزر إحدى المعارك المريرة لصلاح الدين ولعله تعلم منها أن الخطأ مقارعة الصليبيين قبل أن يحقق توحيد الجبهة الإسلامية فبتحقيقه لهذه الوحدة سيحصل على قوة زاخرة هائلة مستعدة للبذل في المعارك.

بداية المعركة كانت عندما قرر صلاح الدين أن يقوم بحملة ضد الصليبيين، فخرج من القاهرة في عشرين ألف مقاتل في شهر جمادي الأولى 573 هـ / نوفمبر 1177م وخيّم بمدينة بلبيس المصرية، ثم توجه منها إلى الأجزاء الجنوبية من فلسطين، فنزل على عسقلان التي يحتلها الصليبيون، وتمكن من أسر بعض الصليبيين، فأمر بضرب أعناقهم، ولم يجد صلاح الدين أيّة مقاومة تذكر من العدو، فتفرق جنده يكتسحون القرى مغيرين، وأخذوا يجمعون الغنائم، ثم جمع صلاح الدين بعض جنوده وتقدم بهم نحو بلدة الرملة القريبة من الساحل والتي كانت من أكبر المدن الفلسطينية يومئذٍ فاعترضهم نهر تل الصافية فتفرقوا يبحثون عن مكان يصلح لعبورهم، وبينما هم في هذه الحالة هجمت عليهم قوة صليبية، قبل أن يرتبوا أوضاعهم، ومن المعتقد أن الصليبيين كانوا يراقبون تحركاتهم، فباغتوهم في الوقت المناسب، وكان يقودهم الأمير الشهير أرناط ويسانده في مهمته بلدوين الرابع ملك بيت المقدس ولم يكن مع صلاح الدين في تلك اللحظة سوى عدد ضئيل من أمرائه وجنده، لأن أكثرهم تفرقوا في طلب الغنيمة ثم بدأت المصادمات وتجمع جند صلاح الدين، واشتبكوا مع الصليبيين وقد أبلى بعض قادة صلاح الدين وأقاربه بلاءً حسناً، لا سيما تقي الدين عمر وابنه أحمد، وكذلك ضياء عيسى الهكاري وأخوه ظهير الدين، وقد أسرا وبقيا في الأسر سنتين، فافتدى صلاح الدين الفقيه عيسى بستين ألف دينار فقد تقدم تقي الدين عمر وباشر القتال ببسالة بين يدي عمه وقتل عدداً من الصليبيين، ثم تقدم ابنه أحمد، وأبدى ضروباً من الشجاعة، وقتل عدداً من أفراد العدو، وعاد إلى أبيه سالماً ثم أمره أبوه بالعودة إليهم ثانية قائلاً له: عد يا أحمد فإن العدو أحمد فعاد إليهم وقاتلهم فاستشهد إلا أن المسلمين لم يستطيعوا الصمود بوجههم ففروا من أرض المعركة..

وقد تحدث صلاح الدين عن الهزيمة، وكيف أدى تغيير مواقع الجنود وأجنحة الجيش إلى هذه النتيجة المؤسفة قائلاً: في وقت صار العدو على مقربة منهم رأى بعض الجنود أن يعبروا الميمنة إلى جهة الميسرة والميسرة إلى جهة القلب ليكون التل الموجود بأرض الرملة خلف ظهورهم، وليس أمامهم فبينما هم مشغولون بهذه الخطة هاجمهم العدو.

النتائج

خلد بلدوين انتصاره بإقامة دير بندكتي في ميدان القتال مكرس للقديسة كاثرين من الإسكندرية، التي صادف عيدها يوم المعركة. إلا أن الانتصار كان صعباً؛ روجر ده مولين، قائد فرسان الإسبتارية، أفاد بمقتل 1100 رجل وإصابة 750 آخرين.

أما جيش صلاح الدين فقد كانت خسائرهم غير معروفة إلا أنها كانت فادحة وكبيرة، وقد قام صلاح الدين بنشر إعلان بخسارة الصليبيين للمعركة خوفاً من ضعف قبضته على مصر وتحالفه مع الدويلات التابعة في سوريا.

خسر صلاح الدين المعركة نتيجة الخطأ بالسماح للجنود بجمع الغنائم مما أحدث تشتت في الجيش في الوقت الذي داهم فيه بلدوين الرابع وأعوانه جيوش الأيوبيين واستطاعوا الانتصار في المعركة وانسحاب جيش صلاح الدين وهزيمته.

بعد انسحابه، أعاد تنظيم جيوشه في مصر بمساعدة شقيقه توران شاه وقام أيضا باستقبال المبعوث القوي قلج أرسلان.

أسباب هزيمة المسلمين

مباغتة الصليبيين للجيش الأيوبي أثناء تفرق أفراده قبل أن يرتبوا أنفسهم في الوقت المناسب.

هذه المباغتة أثرت إلى حدوث خلل في صفوف وأجنحة الجيش الأيوبي وتفرق قادة الجيش ولجوئهم إلى أسلوب المبارزة الفردية التي لم تجد نفعاً في مثل هذه الحالة.

اختفاء صلاح الدين عن الأنظار حتى ظن أنه قُتل.

ابتعاد الجيش الأيوبي عن خطوط التموين وانقطاع الزاد والماء عنه.

(المصادر: صلاح الدين الأيوبي للكاتب معادي أسعد صوالحه + الكامل في التاريخ - لابن الأثير الجزري + الحروب الصليبية العلاقة بين الشرق والغرب + مواقع التواصل + بوابة صيدا)

 

ــــــــــــ

إقرأ ايضاً

تنفيذ حكم الإعدام بسيد قطب و2 آخرين بزعم تشكيل تنظيم مسلح لقلب نظام حكم جمال عبد الناصر

معركة ملاذكرد.. يوم بكى السلطان.. ولبس البياض وتحنط

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة