بقلم مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات..حسان القطب.. / بوابة صيدا
يبدو ان دولة الامارات قد استنسخت او تقمصت في نهجها الاستراتيجية الايرانية بمراقبة ومتابعة انخراطها السياسي والامني في بعض الدول العربية والاسلامية ومنها اليمن.. ولكن لا بد من العودة بدايةً الى انطلاقة الربيع العربي الذي اندلع عقب عقود من غياب الديموقراطية والحريات الاعلامية، والذي كان عفوياً وبدون تخطيط او بإدارة قوى سياسية وحزبية وازنة، وتملك رؤية حقيقية لادارة البلاد وقيادة التحول السياسي والاداري في هذه البلاد، وهذا ما سمح لبعض القوى الخارجية بالتدخل لتغطية الفراغ السياسي وربما الفكري ايضاً، كما لاحياء بعض الطموحات التقسيمية والاحقاد القديمة بين بعض المكونات التي تتألف منها هذه الدول والشعوب..
وعملية ابراز تهديدات داخلية كما خارجية، سواء كانت بالتحذير من الاسلام السياسي او الترهيب من الحركات الاسلامية، مع بروز او صناعة قوى متطرفة مجهولة البنيان والكيان والادارة والتوجيه والتخطيط والاهداف.. كانت المدخل المناسب لتبرير التدخلات كما لابقاء حالة النزاع والصراع مفتوحة على مصراعيها ودون افق حل يلوح في الافق..
ومن هنا يجب ان نتطلع بعمق الى الدور الاماراتي الذي استلهم كلياً وتفصيلا المشروع الايراني بدقة غير مسبوقة.. فإيران عملت طوال عقود على تأسيس كيانات موازية لكل سلطة رسمية في كلٍ من لبنان وسوريا والعراق واليمن، والبحرين والكويت وتونس وكذلك دعم حركة بوليساريو الانفصالية.. ونيجيريا وباكستان وافغانستان وحتى الهند.. وغيرها من الدول ايضاً.. التي كانت ايران تطمح الى ان تلعب فيها دوراً سياسياً واقتصادياً من خلال التدخل والعبث بالاستقرار الامني وتحريك مشاعر الاقليات واثارة طموحاتها في الانقسام او الاستقلال او حتى تحسين ظروف دورها في السلطة ومن ثم الانخراط في تفاهمات اعمق مع دولة ايران وخدمة مشروعها الديني وطموحاتها التوسعية التاريخية..
هذا المشهد نفسه وعينه نراه ونلمسه بالاداء الاماراتي السياسي والامني، في كل ساحة ودولة وكيان تدخلت فيه دولة الامارات.. خاصة مع قدرتها المالية الكبيرة وعلاقاتها الدولية التي تخدم بشكلٍ او بآخر او تتناغم مع الاهداف الاسرائيلية والاميركية في آنٍ معاً، فالخلل في دولنا ومجتمعاتنا يسمح للولايات المتحدة وغيرها بالتدخل كوسيط وراعي وحريص، مستفيدا من حالة الفوضى، كما يجري في السودان الان.. واسرائيل ترى ان تفتيت العالم العربي والاسلامي يحفظ استقرارها ويبرر وجودها كدولة دينية لها الحق في الوجود كسائر الكيانات الاخرى الدينية والقومية والاثنية، ولذا قال نتنياهو في زيارته الاخيرة الى واشنطن انه يريد حماية الاقليات الدرزية والمسيحية في سوريا، وطبعا لا يمكن تجاهل ان هناك علاقات قوية تربط تنظيم قسد باسرائيل وهي تطالب بكيان كردي شبه مستقل، ولو كان المسمى فيدرالية.. وبالتالي تكون اسرائيل الاقوى بين هذه الكيانات الضعيفة والمدمرة والمتصارعة والمتناحرة والعاجزة مالياً ويجعلها بحاجة لمعالجة ازماتها الاجتماعية واطلاق ورش اعادة الاعمار، وتبرير وجودها ككيانات مستحدثة.. واكذلك لبقاء في حالة جهوزية لانها في حالة عداء مع جيرانها الذين انشقت عنهم حديثاً..
اين وكيف نرى المشهد الاماراتي السيء الذكر والدور والاداء:
في اليمن نراه الان، ولكن كان يتم التحضير له منذ سنوات، مع اطلاق المجلس الانتقالي، الذي يطالب بانفصال الجنوب اليمني عن شماله، وهو المجلس الذي كان غائباً عندما بدأت ميليشيات الحوثي التكفيرية باحتلال اليمن من اقصاه الى اقصاه.
دور المجلس الانتقالي الانفصالي في الجنوب، يعطي الحوثي الفرصة لترسيخ هيمنته على الشمال اليمني، وتهجير من تبقى ممن لا يرى انهم ينسجمون مع عقيدته الدينية التكفيرية، او سياساته الالغائية الشمولية.... كما يؤجج الصراع بين ابناء الجنوب انفسهم على قاعدة من يحكم من، نظرا لتعدد الولاءات القبلية واحياء الخلافات التاريخية بين هذه القبائل والعشائر..
ولا يمكن ان نتجاهل أو ننسى ان مشروع الرئيس الاميركي السابق (بايدن).. كان الابقاء على دولة الحوثي في شمال اليمن، كمقدمة للتفاهم مع دولة ايران كجائزة ترضية وهي التي اسست الحوثي وصنعت له قوته وسياساته.. ورسمت دوره الاقليمي..
التوتر والصراع بين القوى المتعددة في اليمن جنوب المملكة العربية السعودية، سيضعها امام جبهة مفتوحة على امتداد الحدود مع اليمن من دولة الحوثي، الى حضرموت والمهرة، التي ستبقى في حالة عدم استقرار وتتطلب حضور عسكري وازن يستهلك قدرات المملكة وجيشها وحتى اقتصادها ويمنعها من لعب دور اقليمي وازن.. ويسمح لاسرائيل بالتدخل ايضاً وقد قال احد قادة المجلس الانتقالي ان بإمكان مجلسه ان يعترف بإسرائيل واقامة التطبيع معها...
سيتحول اليمن الى ثلاثة دول او كيانات متصارعة ومتناحرة وبحاجة الى رعاية وحماية ووساطات للتهدئة.. وهو الذي يطل على اهم ممر بحري (باب المندب)..
في السودان، الوقوف الى جانب الدعم السريع، يؤكد ان نهج الامارات يسير على مسار واحد مع الاستراتيجية الايرانية وهو اقامة كيانات موازية، فإما تستولي على البلاد بأسرها وتهيمن عليها مالياً وامنيا وسياسياً او يتم تفتيتها وتحصل الامارات على حصة وازنة منها... وبالتالي سوف يتم تفتيت السودان الى دول وكيانات متناحرة لا استقرار فيها..
ليبيا ليست احسن حالا، حيث تلعب دولة الامارات دوراً سلبياً ايضا.. وتهدد وحدة واستقرار الدولة والشعب الليبي..
الخلاصة..
الامارات دولة صغيرة، لا يتجاوز عدد سكانها المليون ونصف المليون مواطن، ولكنها تملك ثروة نفطية ضخمة وتعتبر اليوم محطة دولية للتجارة وتبييض الاموال والتخابر والمخابرات الدولية، التي تتحرك بحرية بالغة فيها وخاصة الاسرائيلية، وبالتالي فإن الدور الاستراتيجي الذي تلعبه الامارات يتجاوز حجمها الجغرافي كما السكاني، ولكن كما يبدو فإنها تسعى وهنا يجب الانتباه والتنبه الى انها تسعى لتفتيت العالمين العربي والاسلامي في كافة القارات الى كيانات تشبه دولة الامارات نفسها المكونة من كيانات صغيرة متعددة، بقدرات مالية عالية.. وهذا ما يسمح لها بفرض نهجها الفكري كما السياسي من خلال قدراتها المالية وكذلك تسويق علاقاتها الدولية سواء مع اسرائيل بعد الاتفاق الابراهيمي ومع راعيها الاميركي الذي رعى هذا الاتفاق.. ويريد نشره في عالمنا العربي والاسلامي.. وهذا مما يجعل من اسرائيل الاقوى في المنطقة وتحيط بها كيانات ضعيفة تستجدي دعماً ورعايةً وحمايةً.. وتتقاتل فيما بينها الى ما شاء الله.. ويعد ان تم تدمير السودان وليبيا واليمن.. ولن تبقى دولة مصر بمنأى عن هذا المشروع الخطير مستقبلاً.. يبقى ان هدف الامارات الان هو تشتيت وتفتيت المملكة العربية السعودية..؟؟.. ونتساءل لماذا لا تسعى دولة الامارات الى استعادة جزرها المحتلة من دولة ايران بدل العمل على تفتيت الدول العربية والاسلامية.. طالما انها تملك القدرات العسكرية والمالية والنفوذ السياسي الدولي..؟؟