• لبنان
  • الجمعة, تشرين الثاني 21, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 6:19:29 ص
inner-page-banner
من صفحات التاريخ

معركة السموع: الاشتباك الذي مهد لحرب 1967

بوابة صيدا

في صباح الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 1966، لم تكن سماء بلدة السموع الحدودية جنوب الخليل تُملأ إلا بزئير الطائرات الحربية ودوي انفجارات الدبابات. فقد شنت إسرائيل في ذلك اليوم واحدة من أضخم عملياتها العسكرية منذ حرب 1948، مستهدفةً الأراضي الأردنية بعنف غير مسبوق.

لم يكن ذلك الاشتباك مجرد غارة عابرة أو تبادلاً لإطلاق النار على الحدود، بل كان عملية عسكرية منظمة بُنيَت على أسس استراتيجية واضحة، أرادت من خلالها إسرائيل تأديب الأردن وإرسال رسالة ردع قاسية إلى جيرانها العرب. كانت المعركة اختباراً للمناعة العربية، وكشفت وبوضوح عن حجم التفوق الجوي الإسرائيلي الذي سيلعب لاحقاً دوراً محورياً في حرب الأيام الستة.

بين الدبابات المحترقة والبيوت المدمرة والشهداء، خرجت دروسٌ لم تنسجم مع صخب الخطابات السياسية آنذاك. كانت "السموع" بمثابة الجرس الذي دق ناقوس الخطر، والبروفا الأخيرة التي مهّدت الطريق لأعنف هزيمة عربية في حرب 1967. هذه هي قصة الاشتباك الذي غيّر خريطة التوازنات الإقليمية، ووضع المنطقة على منحنى صاعد من المواجهة، كانت نهايته حرباً لم تُنسَ إلى اليوم.

شهدت الفترة التي سبقت المعركة تصعيداً في العمليات الفدائية التي كانت تنطلق من الأراضي الأردنية (خصوصاً من الضفة الغربية) ضد إسرائيل، ضمن إطار عمل منظمة التحرير الفلسطينية التي أسستها الجامعة العربية عام 1964.

كانت إسرائيل تطبق سياسة "الردع" و"الانتقام الجماعي"، حيث ترد على العمليات الفدائية بضربات عسكرية كبيرة ضد دول المنشأ (الأردن، سوريا، لبنان) بغض النظر عن مدى مسؤولية حكوماتها عن تلك العمليات.

كان الملك حسين في موقف صعب. من ناحية، كان يحاول الالتزام بوقف إطلاق النار مع إسرائيل وضبط الحدود، ومن ناحية أخرى كان يواجه ضغوطاً شعبية وسياسية داخلية كبيرة لتأييد المقاومة الفلسطينية. لم تكن المملكة الأردنية تريد حرباً شاملة مع إسرائيل في ذلك التوقيت.

في 11 تشرين الثاني / نوفمبر 1966، انفجر لغم أرضي على الحدود الأردنية الإسرائيلية، أسفر عن مقتل 3 جنود إسرائيليين وإصابة 6 آخرين. بالرغم من أن التحقيقات أشارت إلى احتمال أن اللغم كان مُعداً سابقاً من قبل الجيش الإسرائيلي نفسه، إلا أن إسرائيل ألقت باللوم على الأردن وقررت الرد.

قررت إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية كبيرة ضد الأردن لتحقيق عدة أهداف:

* معاقبة الأردن وإجبار حكومته على كبح نشاط الفدائيين في أراضيها.

* تدمير قوة الشرطة (الدرك) في بلدة السموع والقرى المجاورة، والتي كانت تعتبرها إسرائيل قاعدة للفدائيين.

* توجيه رسالة ردع إلى جميع الدول المجاورة، وخاصة سوريا التي كانت تشهد تصعيداً أكبر على حدودها مع إسرائيل.

* احتلال وتدمير أكبر عدد ممكن من المنازل في المنطقة المستهدفة كعقاب جماعي.

في الساعة 5.30 من صباح يوم الأحد 13 تشرين الثاني / نوفمبر 1966م (1 شعبان 1386هـ) شنت إسرائيل هجوماً بواسطة لواء ميكانيكي مدعوم بدبابات "سنتوريون" البريطانية، وسيارات مصفحة، بالإضافة إلى غطاء جوي من طائرات "ميراج" الفرنسية، و اخترقت الحدود وتقدمت باتجاه بلدة السموع جنوب الخليل.

تحرك الجيش الأردني لمواجهة الهجوم، حيث اشتبكت مع القوات الإسرائيلية كتيبة مشاة آلية من الحسينية (قرب الخليل) وكتيبة دبابات (دبابات "باتون" M48 الأمريكية). دارت معركة شرسة بين الدبابات الأردنية والإسرائيلية.

لعب السلاح الجوي الإسرائيلي دوراً حاسماً في المعركة، حيث قام بقصف وتدمير عدد من الدبابات والآليات الأردنية، مما عرقل حركتها وأضعف قدرتها على التصدي.

و شارك سرب من الطائرات الأردنية في هذه المعركة واشتبك في قتال عنيف وغير متكافيء مع أسراب إسرائيلية. وتمكن الطيارون الأردنيون من إسقاط ثلاث طائرات إسرائيلية، وسقط لهم اثنتان، واعترفت إسرائيل بسقوط طائرة واحدة فقط.

بعد أن أنجزت المهمة الموكلة لها (تدمير حوالي 125 منزلاً في السموع ومبنى الشرطة والعديد من المباني الأخرى)، بدأت القوات الإسرائيلية بالانسحاب إلى داخل الخطوط الدولية.

استشهد في هذه المعركة 15 جندياً وجرح 37 آخرين، بالإضافة إلى مقتل 3 مدنيين. كما خسر الجيش الأردني 14 دبابة و19 آلية عسكرية أخرى.

و وفقاً للبيانات الإسرائيلية، قتل جندي واحد وجرح 10.

كانت المعركة صدمة للمملكة الأردنية، حيث كشفت عن قوة التفوق الجوي الإسرائيلي وعزلة الأردن عربياً، و تعرضت الأردن لانتقادات من بعض الدول العربية (خاصة مصر آنذاك) لعدم قدرتها على حماية أراضيها، بينما اتهمت الأردن بدورها جيرانها بعدم تقديم الدعم الكافي.

و أعطت العملية ثقة كبيرة للجيش الإسرائيلي قبل حرب 1967م.

ساهمت معركة السموع في زيادة التوتر في المنطقة، وأثبتت لإسرائيل ضعف الموقف العربي المشتت، مما شجعها على التخطيط لحرب شاملة بعد أقل من عام.

 

ــــــــــــــــــــــ

إقرأ أيضاً

محاولة اغتيال علي الخامنئي أثناء إلقاء محاضرة في مسجد أبو ذر في طهران.. 

أول هزيمة للمسلمين في بلاد الشام.. في معركة "مرج الصفر"

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة