• لبنان
  • الاثنين, كانون الأول 23, 2024
  • اخر تحديث الساعة : 4:07:34 ص
inner-page-banner
إسلاميات

د. محمد عياش الكبيسي

يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)

يستدل بعض الأحباب بهذه الآية استدلالا باطلا، ويقحم نفسه في تأويل آيات الله تأويلا يجعله عرضة للاثم وربما الزيغ، والعياذ بالله.

ويكفيني هنا أن أوضّح بعض المسائل المتعلقة بهذا الأمر:

1- إن الجهاد في سبيل الله واجب تكليفي، كالصلاة والصوم، ويشترط فيه من إحضار النيّة الخالصة مع تعلّم الأحكام الخاصة به كبقية الواجبات، فواجب المجاهد أن يتعلم أحكام الجهاد، وهو بكل الأحوال معرّض للخطأ، وواجب على أهل العلم نصحه، وواجب عليه أن يسمع لهم إلا إذا كان هو عالما مثلهم، فهنا لابد من الحوار والنقاش بين أهل العلم عند الاختلاف، وليس أحدهم حجة على الآخر..

2- المجاهد لا يوحى إليه، ولذلك لابد له من أن يتعلم أحكام دينه، ولو كان معنى الآية أن المجاهد يكون أعلم من غيره لكان أعلم الصحابة خالد بن الوليد أو سعد بن أبي وقاص ونحوهما، بينما نرى علماء الأمة يأخذون العلم ممن هم دونهم في الجهاد كابن مسعود وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس وأم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وهذا مصداق قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ولم يقل: فاسألوا أهل الجهاد.

3- إن الحكم الشرعي في العقيدة أو في الفقه إنما يتبع الدليل، ومصدر الأدلة كلها إنما هو القرآن ثم السنّة، وهذا بإجماع المسلمين، ولم يقل أحد من العلماء: أن قول المجاهد بحد ذاته دليل، بل إن قوله بغير دليل لا ينبغي الالتفات إليه، قال تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) فالتشريع لله وحده، ومصادر التشريع معلومة فلا زيادة عليها.

4- وهنا قد تسأل يا أخي عن معنى هذه الآية، فأقول باختصار: إن الذي يصدق في طلب الهداية يهديه الله تعالى، وييسر له أسباب الهداية من مصادرها، فييسر له مثلا من يعلمه الكتاب والسنة ويعلمه الحلال والحرام، فالمجاهد الصادق يكون أحرص من غيره على تعلّم دينه وتجنّب كل ما يغضب الله تعالى، وليس معنى الآية أن المجاهد يهبط عليه العلم من السماء، علما أن هذه السورة نزلت في مكة، يعني قبل الإذن بالقتال. فليتأمل..

5- إن الخطأ الشرعي إذا صدر عن المجاهد أولى بالتصحيح، لأنه مظنة تأثّر الناس به واقتناعهم به أكثر من غيره، ولا يجوز تأخير ذلك أبدا، والادعاء أن هذا يفتّ في عضد المجاهدين ادّعاء باطل، مع التنبيه الضروري إلى أن تصويب الأخطاء الشرعية المعلنة ينبغي أن يكون لأهل العلم دون سواهم، وأن يكون ذلك مقتصرا على التصحيح والتصويب وليس الطعن والانتقاص، ولذلك أنصح إخواني من أهل العلم وطلبته؛ أن لا يترددوا في بيان الحق وتحصين الجيل من الاختراقات العقدية والثقافية الهدامة، وبنفس الوقت أن لا تستفزّهم ردود فعل الغوغاء والجهلة فيتجاوزوا حدّ البيان الشرعي إلى المهاترات والاتهامات والدخول في النوايا، فهذه مزلة القدم ومظنة الاثم..

6- وأخيرا فإن الواقع يكذّب هذا الفهم الخاطئ لهذه الآية، فالمجاهدون أنفسهم قد يختلفون فيما بينهم، حتى كبار الصحابة قد اختلفوا فيما بينهم وكل هذا مدوّن ومعروف لدى أصغر طالب علم في الفقه المقارن والتفسير المقارن وغيرهما، ولم يقل أحد من العلماء أن قول هذا الصحابي يحسم الخلاف لأنه كان أكثرهم جهادا..

وصلى الله وسلم على سيدنا وقرة عيوننا محمد وآله وصحبه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته إلى يوم الدين.

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

يمكنكم متابعة قناة "بوابة صيدا" على "الواتساب"

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة