كانت في الجاهلية تدعى الطاهرة.
عند نشأتها تزوجت عتيق بن عابد، وولدت له هند بنت عتيق، فلما توفي عتيق تزوجت بأبي هالة النباش، وولدت له هند بنت أبي هالة وهالة بنت ابي هالة، وهن أخوات بنات النبي صلى الله عليه وسلم.
بعد وفاته امتنعت السيدة خديجة عن الزواج.
وكانت السيدة خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها، تضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه.
بلغها أن في مكة فتى يُقال له الصادق الأمين، وهو صادق في حديثه، عظيم في أمانته، كريم الأخلاق، فبعثت إليه، وعرضت عليه أن يخرج بتجارتها، على أن تعطيه أفضل مما كانت تعطي غيره.
قبل الصادق الأمين محمد (صلى الله عليه وسلم) بما عرضت عليه، وخرج بمالها وبعثت معه غلامها ميسرة، فاتجه نحو الشام.
عاد الصادق الأمين محمد (صلى الله عليه وسلم) للسيدة خديجة بربح مضاعف.
وكانت السيدة خديجة امرأة حازمة لبيبة، فلما عاد غلامها ميسرة سألته عن مسيره مع الصادق الأمين محمد (صلى الله عليه وسلم) فأخبرها أنه نزل في ظل شجرة قريبة من صومعة راهب، فخرج الر اهب وسألني: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟
قلت له: هذا الرجل من قريش من أهل الحرم.
فقال لي الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي.
لما سمعت السيدة خديجة بهذا الكلام أرسلت صديقتها نفيسة إلى الصادق الأمين (صلى الله عليه وسلم) قائلة: أني قد رغبت فيك لقرابتك مني وشرفك في قومك وأمانتك عندهم وحسن خلقك وصدق حديثك، ثم عرضت عليه أن يتزوجها.
وكانت قد بلغت من العمر أربعين سنة، بينما كان الصادق الأمين محمد (صلى الله عليه وسلم) له من العمر خمساً وعشرين سنة.
ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمامه يستشيرهم فخرج معه عمه حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولدت له زينب وأم كلثوم وفاطمة ورقية والقاسم والطاهر والطيب .
عاش النبي صلى الله عليه وسلم مع خديجة أفضل ما يعيش رجل مع زوجته، وعندما قارب الأربعين، حُبب إليه الخلاء، فكان يخرج إلى غار حراء فيمكث فيه الأيام ثم يعود، وكانت السيدة خديجة تزوده بكل ما أراد.
كان لدى السيدة خديجة رضي الله عنها غلاماً يُدعى زيد بن حارثة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه، فوهبته له، فتبناه النبي صلى الله عليه وسلم " قبل تحريم التبني" وكان يسمى زيد بن محمد، وكانت هي سبباً في إسلامه.
جاءها يوماً مرعوباً يرجف فؤاده يقول لها زمولوني زمولوني، فزملوه حتى هدأ روعه، ثم سألته السيدة خديجة: ما جرى لك، فأخبرها، عن نزول جبريل عليه السلام عليه، وقال لها: لقد خشيت على نفسي، فقالت له الزوجة الصالحة التقية النقية: كلا والله، ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل وكان رجلاً قد تنصر، يقرأ في الكتاب المقدس، فأخبرته بما جرى لزوجها صلى الله عليه وسلم، فقال: هذا الناموس الذي نزل على موسى، وأنه نبي هذه الأمة، وأن عليه تحمل المشاق التي سيلاقيها من قومه.
وقفت السيدة خديجة رضي الله عنها وارضاها من أول يوم مع زوجها الحبيب صلى الله عليه وسلم، وكانت أول من أسلمت على الإطلاق، وخفف الله بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يسمع شيئا يكرهه من ردٍ عليه وتكذيبٍ له فيحزنه إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس رضي الله عنها، وبدأت تدعو من تثق بهم إلى الإسلام.
دافعت السيدة خديجة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين حتى آخر يوم في حياتها.
نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه إدام. أو طعام أو شراب. فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، فردت السيدة خديجة رضي الله عنها قائلة: إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك السلام ورحمة الله.
توفيت السيدة خديجة قبل الهجرة بثلاث سنوات "وقيل بخمس" بعد وفاة أبو طالب بقليل فسمي هذا العالم عام الحزن. وقيل أنها توفيت في رمضان ودفنت بالحجون. وكانت قد بلغت الخامسة والستين من العمر.
لم تيزوج النبي صلى الله عليه وسلم عليها في حياتها أحداً، وكان يذكرها بكل خير بعد مماتها، وكان يرسل إلى صواحباتها الهدايا.
وكانت السيدة عائشة تغار من السيدة خديجة "وهذه طبيعة النساء" ولنترك عائشة تروي لنا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها. فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوزا فقد أبدلك الله خيرا منها !
فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ثم قال: " لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت إذ كفر الناس، وصدقتني وكذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء " .
قالت عائشة : فقلت في نفسي: لا أذكرها بسيئة أبداً.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من سيدات نساء الجنة.