بوابة صيدا
في صباح الأول من أكتوبر عام 1985م (17 محرم 1406 هـ)، اخترقت طائرات إسرائيلية الأجواء التونسية، لتنفّذ واحدة من أكثر العمليات العسكرية جرأة خارج حدود فلسطين. في دقائق معدودة، تحوّل مقر القيادة الفلسطينية إلى ركام، وسقط عشرات القتلى والجرحى، في غارة جوية عنيفة استهدفت تصفية الصف الأول من قيادات منظمة التحرير، وعلى رأسهم ياسر عرفات.
عملية "الساق الخشبية"، كما أسمتها إسرائيل، لم تكن مجرد ضربة عسكرية، بل كانت رسالة سياسية وأمنية، مفادها أن يد إسرائيل قادرة على الوصول إلى أي مكان، حتى لو كان في قلب دولة عربية ذات سيادة. أما تونس، التي احتضنت الفلسطينيين بعد خروجهم من بيروت، فقد وجدت نفسها فجأة في قلب معركة لم تخترها، ودفعت ثمنها دمًا وغضبًا.
هذه ليست قصة قصف، بل قصة انتهاك صارخ للسيادة، واستهداف مباشر للمنفى الفلسطيني، في لحظة كشفت هشاشة الحماية الإقليمية، وعمق التحديات التي تواجه القضية خارج حدودها الجغرافية.
بعد خروج منظمة التحرير من لبنان إثر الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، انتقلت قيادتها إلى تونس التي اعتُبِرت مكانًا آمنًا وبعيدًا عن متناول اليد الإسرائيلية.
في 28 أيلول / سبتمبر 1985م (14 محرم 1406هـ) قام ثلاثة عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة (بقيادة أحمد جبريل) باغتيال ثلاثة مواطنين إسرائيليين على متن يخت في ميناء لارنكا في قبرص.
قررت إسرائيل الردّ بشكل نوعي ضد القيادة الفلسطينية، و أصدرت قراراً بتصفية القيادات الفلسطينية من خلال ضربة تنفذها الطائرات الحربية الإسرائيلية.
بدأت قيادة سلاح الجو الإسرائيلي بالإعداد لتنفيذ القرار، وتمكنت من الحصول على صور أقمار صناعية دقيقة عبر جاسوس لها كان يعمل محللا في المخابرات العسكرية الأميركية وهو جوناثان بولارد، كُشف فيما بعد وحكم بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة.
في 30 أيلول / سبتمبر 1985م (16 محرم 1406هـ) دعا رئيس منظمة التحرير الفلسطيني ياسر عرفات، القيادة العسكرية لعقد اجتماع بتونس عند الساعة 9.30 من صباح الأول من تشرين الأول / أكتوبر.
علم أحد عملاء الموساد بهذه المعلومات فقام بإبلاغها إلى إسرائيل.
عند الساعة التاسعة من صباح الأول من تشرين الأول / أكتوبر (17 محرم 1406 هـ) أُبلغ ياسر عرفات بتأجيل الاجتماع، لأن عدداً من كبار الضباط لم يتمكنوا من الوصول إلى تونس بسبب حجوزات الرحلات الجوية، ما حتم تأجيل الاجتماع للمساء.
في العاشرة تماماً أي بعد نصف ساعة من موعد بدء اجتماع القيادة العسكرية الفلسطينية، أغارت ثماني طائرات اسرائيلية من نوع F15 على مقر قيادة الأركان الفلسطينية في منطقة حمام الشط فأزالته تماماً عن الوجود، وقصفت الطائرات مقر ياسر عرفات ومكتبه والمقر الخاص بحراساته..
سقط في هذه الغارة 68 قتيلا وأكثر من 100 جريح من فلسطينيين وتونسيين.
وقُدرت الخسائر المادية بحوالي 8.5 ملايين دولار.
وقد أعلنت إسرائيل رسمياً مسؤوليتها عن تلك الغارة فور وقوعها، مشيرة إلى أنها قامت بها «في إطار حق الدفاع عن النفس».
قطعت الطائرات مسافة 2300 كيلومتر (ذهابًا وإيابًا) في مهمة استغرقت حوالي 7 ساعات، مع التزود بالوقود جواً فوق البحر المتوسط.
و العملية الإسرائيلية كانت رسالة موجهة لتونس والعالم بأن إسرائيل لن تتردد في ضرب أهداف في أي دولة تؤوي ما تعتبره "إرهابًا".
أصدر مجلس الأمن الدولي في 4 تشرين الأول / أكتوبر 1985 القرار رقم 573 بعد شكوى تقدمت بها الدولة التونسية ضد "إسرائيل" تتهمها بإنتهاك سيادتها والتعدي على أراضيها وسلامتها الاقليمية وقد أصدر المجلس بيان:
أدان بقوة العدوان المسلح الذي اقترفته إسرائيل على الأراضي التونسية.
وطالب إسرائيل بالكف عن اقتراف أعمال عدوانية مماثلة أو التهديد باقترافها.
وحث الدول الأعضاء على ثني إسرائيل عن اللجوء إلى مثل هذه الأعمال العدوانية ضد سيادة جميع الدول وسلامتها الاقليمية.
الاقرار بالحق التونسي في الحصول على تعويضات مناسبة عن الخسائر في الأرواح والأضرار المادية التي لحقت بها والتي اعترفت إسرائيل بمسؤوليتها عنها.
وكان الرئيس التونسي آنذاك الحبيب بورقيبة قد هدد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة إذا حاولت استخدام حق النقض "فيتو" لتعطيل قرار مجلس الأمن عدد 573 ضد إسرائيل.
ـــــــــــــ
إقرأ أيضاً
1968م: مُسلَّحان فلسطينيّان يهاجما طائرة لشركة العال الصهيونية في مطار أثينا
ــــــــــــــــــــــــــــ
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..