بوابة صيدا
في 23 تشرين الأول / أكتوبر 1983م (14 شعبان 1402هـ) تحوّلت بيروت إلى ساحة رماد، حين اخترقت شاحنتان مفخختان مقري قوات المارينز الأميركية والقوات الفرنسية، في هجوم منسّق هو الأكثر دموية ضد قوات حفظ السلام الغربية منذ الحرب العالمية الثانية.
241 جنديًا أميركيًا و58 فرنسيًا قُتلوا في دقائق، وانهارت مبانٍ، وتغيّرت عقائد عسكرية، واهتزت عواصم القرار تحت وقع الانفجار.
الرئيس الأميركي رونالد ريغان وقف مذهولًا، و الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، تعهد بالرد، والصحف الأميركية وصفت الهجوم بأنه "إيوو جيما جديدة"، والفرنسية اعتبرته "إهانة للوجود الفرنسي في الشرق"، لكن بيروت كانت تعرف أن ما حدث لم يكن مجرد تفجير... بل إعلان ولادة مرحلة جديدة، حيث لا تعود الجيوش إلى قواعدها كما جاءت، وحيث يُكتب التاريخ بلغة الدم.
في ذلك اليوم، لم تهتز بيروت وحدها، بل اهتزت واشنطن وباريس... تحت الركام، وتحت أسئلة لم تُجب حتى الآن: من نفّذ؟ ولماذا؟ وهل كانت بيروت مجرد بداية؟
في 6 حزيران / يونيو 1982م (14 شعبان 1402هـ) بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان تحت مسمى "سلامة الجليل" على أن تكون مساحة الاجتياح حتى "الليطاني"، إلا أن جيش الاحتلال واصل تقدمه، ولكنه عجز عن احتلال بيروت، وذلك لصمود المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين، فقام الجيش الإسرائيلي بحصار العاصمة، وقصفها بشكل يومي، وذلك بدعم أمريكي سافر..
بعدما عجز الجيش الإسرائيلي من إجبار المقاتلين على الاستسلام، تدخلت الدول الغربية، لفرض حل، يقضي بانسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من العاصمة، وانتشار قوات متعددة الجنسيات..
في 25 آب / أغسطس 1982م (6 ذو القعدة 1402هـ) تم نشر قوة متعددة الجنسيات قوامها حوالي 400 فرنسي و 800 جندي إيطالي و 800 من مشاة البحرية من الوحدة البحرية البرمائية، في بيروت كجزء من قوة حفظ السلام للإشراف على إخلاء مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية.
اعتبرت القوى الوطنية والإسلامية اللبنانية التواجد الغربي في لبنان بمثابة احتلال.
في 4 أيلول / سبتمبر 1983م (27 ذو القعدة 1403هـ) تعرض مطار بيروت الدولي الذي تتخذه القوات الأمريكية مقراً لها، للقصف، مما أسفر عن مقتل اثنين من مشاة البحرية وإصابة اثنين آخرين.
في 19 تشرين الأول / أكتوبر 1983م (13 محرم 1404هـ)، أصيب أربعة من مشاة البحرية عندما تعرضت قافلة أمريكية لهجوم بسيارة مفخخة عن بعد كانت متوقفة على طول طريق القافلة.
في 23 أكتوبر / تشرين الأول 1983م (17 محرم 1404هـ) ضربت شاحنتان مفخختان مباني في بيروت، كانا يؤويان جنود أمريكيين وفرنسيين من القوة المتعددة الجنسيات، و أسفر الهجوم عن مقتل 307 شخصاً: 241 أمريكيًا و 58 عسكريًا فرنسيًا وستة مدنيين ومهاجمين.
قام الانتحاري الأول بتفجير شاحنة مفخخة في المبنى الذي كان بمثابة ثكنة للكتيبة الأولى من مشاة البحرية الثامنة (كتيبة الإنزال - BLT 1/8) من الفرقة البحرية الثانية، مما أسفر عن مقتل 220 من مشاة البحرية و 18 بحارًا و 3 جنود، وأصيب 128 أمريكي آخر في الانفجار. توفي 13 في وقت لاحق متأثرين بجراحهم، كما قُتل في الانفجار الأول رجل لبناني مسن، بواب العمارة وبائع كان معروفاً بالعمل والنوم في موقف بجوار المبنى. قدرت المتفجرات المستخدمة فيما بعد بما يعادل 9500 كجم من مادة تي إن تي.
وبعد دقائق، هاجم انتحاري ثان مبنى دراكار المكون من تسعة طوابق، على بعد بضعة كيلومترات، حيث تتمركز الوحدة الفرنسية؛ في منطقة بئر حسن، قُتل 55 مظليًا من فوج المظليين الأول وثلاثة مظليين من فوج المظليين التاسع وجُرح 15 آخرين. كما قُتلت زوجة بواب لبناني في المبنى الفرنسي وأربعة أطفال، وأصيب أكثر من عشرين مدنياً لبنانياً آخر.
خلّف الهجومان دمارًا هائلًا، وانهارت مبانٍ بالكامل، وتحول الموقع إلى ركام.
أعلنت حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عن الحادث وقالت إن الهدف كان إخراج القوة المتعددة الجنسيات من لبنان. ولكن الاستخبارات الأميركية والفرنسية وجّهت الاتهام إلى حزب الله الوليد آنذاك، بدعم من الحرس الثوري الإيراني.
وصف الرئيس الأمريكي "رونالد ريغان" الهجوم بأنه «عمل حقير» وقال: "لن نسمح للإرهاب أن يُملي علينا سياستنا الخارجية. سنرد في الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة." وتعهد بالإبقاء على قوة عسكرية في لبنان. وأمر بتشكيل لجنة تحقيق، لكنه واجه ضغوطًا داخلية لسحب القوات، وهو ما تم فعليًا في فبراير 1984.
وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران: "فرنسا لا تُذل، وسنُحاسب من ارتكب هذا العمل الجبان." وأرسل تعزيزات إلى لبنان..
و ردا على الهجمات، شنت فرنسا غارة جوية في وادي البقاع ضد مواقع مزعومة للحرس الثوري الإيراني. كما جمع الرئيس ريغان فريقه للأمن القومي وخطط لاستهداف ثكنة الشيخ عبد الله في بعلبك بلبنان، والتي كانت تؤوي الحرس الثوري الإيراني الذي يعتقد أنه يقوم بتدريب مقاتلي حزب الله. كما وافق ريجان وميتران على هجوم جوي أمريكي فرنسي مشترك على المعسكر الذي تم التخطيط للقصف فيه.
في 7 شباط / فبراير 1984م (6 جمادى الأولى 1404هـ) أمر الرئيس رونالد ريغان قوات المارينز بالبدء في الانسحاب من لبنان، و في 8 شباط/ فبراير 1984م (7 جمادى الأولى 1404هـ) أطلقت حاملة الطائرات الأمريكية نيو جيرسي ما يقرب من 300 قذيفة على مواقع درزية وسورية في سهل البقاع شرق بيروت.
في أواخر تموز / يوليو 1984، تم سحب آخر مشاة البحرية من الوحدة العسكرية الموحدة 24، حرس السفارة الأمريكية / البريطانية، من بيروت.
الصحف الأميركية والفرنسية وصفت تفجير مقري المارينز والقوات الفرنسية في بيروت يوم 23 أكتوبر 1983 بأنه "أحد أكثر الهجمات دموية ضد قوات حفظ السلام الغربية"، وأثار موجة من التصريحات الغاضبة من قادة البلدين، أبرزها من الرئيس الأميركي رونالد ريغان والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران.
وصفت نيويورك تايمز الهجوم بأنه "اليوم الأكثر دموية للجيش الأميركي منذ معركة إيوو جيما في الحرب العالمية الثانية"، واعتبرته "نقطة تحول في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط".
ونشرت واشنطن بوست تقارير استخباراتية تُرجّح تورط جهات مرتبطة بإيران، ووصفت العملية بأنها "إيرانية من الألف إلى الياء"، رغم عدم وجود إعلان رسمي.
وركزت الصحف الأميركية على ضعف الإجراءات الأمنية، وانتقدت قرار نشر قوات في منطقة غير مستقرة دون حماية كافية.
من جانبها وصفت لوموند الفرنسية التفجير بأنه "أكبر خسارة عسكرية فرنسية منذ حرب الجزائر"، واعتبرته "إهانة للوجود الفرنسي في لبنان".
ونقلت لوفيغارو عن مصادر عسكرية أن الهجوم كان منسقًا بدقة، وأن فرنسا سترد "بطريقتها الخاصة"، في إشارة إلى قصف مواقع في البقاع لاحقًا.
ربطت الصحافة الفرنسية بين التفجير وبين تصاعد النفوذ الإيراني في لبنان، واعتبرته بداية لتغير قواعد الاشتباك في المنطقة.
شكّل التفجيران بداية لتصاعد العمليات الانتحارية كأداة مقاومة، وبروز حزب الله كفاعل جديد في المشهد اللبناني.
ـــــــــــــــ
إقرأ ايضاً
1994: تفجير كنيسة سيدة النجاة المارونية.. وسقوط عشرات القتلى والجرحى
الجيش السوري مجددا في بيروت.. و نبذة عن حروب النظام السوري ومجازره في لبنان..