بوابة صيدا
في قلب لبنان، حيث كانت القرى تتعانق بين سفوح الجبال، وحيث كان صوت الأذان يجاور أجراس الكنائس، اندلعت نارٌ لم تكن ككل نار. لم تكن مجرد معركة بين بندقيتين، بل كانت حربًا على الذاكرة، على الجيرة، على التعايش الذي صمد قرونًا ثم انهار في أيام.
حرب الجبل (1983–1984) لم تكن فصلًا عابرًا من فصول الحرب الأهلية اللبنانية، بل كانت لحظة مفصلية احترق فيها الحلم اللبناني بالتعددية، وتحوّل فيها الجبل من رمزٍ للعيش المشترك إلى ساحةٍ للتهجير والمجازر والانهيار الوطني. فيها تقاتل الجيران، وانهار الجيش، وتفككت الدولة، وارتفعت رايات الطوائف فوق أنقاض البيوت.
هذه السردية ليست فقط عن الرصاص والمدافع، بل عن الخوف الذي سكن القلوب، وعن الطرق التي أُغلقت أمام العائدين، وعن المصالحة التي تأخرت لكنها لم تُلغِ الندوب.
في هذه "الصفحة من التاريخ"، نفتح جرح الجبل لا لننزف، بل لنفهم. نروي كيف احترق التعايش، وكيف يمكن أن يُبعث من تحت الرماد... إن وُجدت الإرادة.
يعود التوتر بين الدروز والموارنة في جبل لبنان إلى صراعات تاريخية، أبرزها أحداث عام 1860م ومجزرة عام 1977م التي أعقبت اغتيال كمال جنبلاط .
و أدى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م إلى تغيير الواقع الديموغرافي والعسكري في الجبل، حيث سمح للقوات اللبنانية (المسيحية) بمد نفوذها إلى مناطق ذات أغلبية درزية مثل الشوف وعاليه .
بعد انسحاب القوات الإسرائيلية في آب / أغسطس 1983 من مناطق الشوف، حاول الجيش اللبناني والقوات اللبنانية إعادة بسط سيطرة الدولة على المنطقة.
رفض الحزب التقدمي الاشتراكي، مدعومًا من سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية، هذا التمدد واعتبره تهديدًا للوجود الدرزي.
في 3 أيلول / سبتمبر 1983م (26 ذو القعدة 1403هـ) اندلعت معارك عنيفة ودامية بين الحزب التقدمي الاشتراكي مدعوماً من بعض القوى اللبنانية الوطنية و القوى الفلسطينية من جهة، وبين القوات اللبنانية والجيش اللبناني من جهة أخرى.
ارتفعت بسرعة وتيرة المعارك على مختلف الجبهات لترتفع معها أعداد القتلى بسرعة هائلة إذ كان يسقط مئات المقاتلين من الطرفين كل بضعة أيام. اعتُبِرت حرب الجبل إحدى أعنف فصول الحرب اللبنانية.
انتهت المعارك في شباط / فبراير 1984 بهزيمة مدوية للقوات اللبنانية وانسحاب المقاتلين المسيحيين والجيش اللبناني إلى بلدة دير القمر ومن ثم إلى بيروت الشرقية.
أدت هذه الحرب إلى تهجير واسع للمسيحيين من الجبل، وانهيار فعلي لسلطة الدولة في تلك المناطق. و ارتكبت مجازر متبادلة من الطرفين وسقط المئات من الأبرياء، فقد قُتل نحو 1800 شخص من الطرفين، إضافة إلى 1155 مدنيًا مسيحيًا و396 درزيًا، مع اختفاء حوالي 2700 مدني.
كما تم تهجير أكثر من 160000 مسيحي و20000 درزي على الأقل من مناطقهم الأصلية.
لم تدم سيطرة الحزب الاشتراكي على مدينة سوق الغرب التي عاد وسيطر عليها الجيش اللبناني وبقيت سوق الغرب منطقة صراع حتى دخول الجيش السوري إليها وانتهاء الحرب الأهلية اللبنانية.
في 4 آب / أغسطس 2001م (14 جمادى الأولى 1422هـ) تمت المصالحة التاريخية بين البطريرك الماروني الراحل مار نصرالله بطرس صفير ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في قصر المختارة.
هذه المصافحة أنهت رسميًا حالة القطيعة، وفتحت الباب أمام عودة المهجّرين المسيحيين إلى قراهم في الجبل.
ــــــــــــ
إقرأ أيضاً
بوسطة عين الرمانة.. الشرارة الأولى للحرب الأهلية في لبنان
معركة الفنادق في وسط بيروت.. واحدة من أُولى الجبهات التي فُتحت في الحرب الأهلية في عام 1975
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..