ألون بن دفيد - محلل القناة 13 العسكري
دفعنا ثمنًا باهظًا لا يطاق في الحرب، وما كان من الممكن أن ننتظر مقابلًا أقل — التفكيك الفعلي لحكم تنظيم الإرهاب في قطاع غزة — يبتعد عنا الآن بفضل أميركا و«أصدقاء» اخرين.
لم تُسمع كلمة «سلام» هنا بتواتر كهذا منذ سنوات — ليس هتافًا فقط بل عودة فعلية للمفردة إلى الخطاب السياسي الإسرائيلي خلال الأسبوعين الماضيين. لكن كلما غصنا في عمق اتفاقية إنهاء الحرب الغامضة، بدا أن السلام المحتمل سيكون سلامًا «مع حماس» لا «بدونها».
المبادرة الأميركية التي أنهت الحرب أحيت شريانًا متعفنًا في المجتمع الإسرائيلي وقادت إلى إطلاق سراح الرهائن — وعلى هذا يستحق دونالد ترامب وحلفاؤه الشكر والاعتراف. لكن عندما تكشف خطة العلاج التي وُصفت بها المشكلة، يتبين أنها تحتوي على كل «الأدوية» التي سعينا دائمًا لتجنبها: تبييض النزاع ووضع قوة متعددة الجنسيات كحاجز بيننا وبين الفلسطينيين.
قبل سنوات، حين كان حزب الليكود أكثر حيوية وكان يُصوَّر نتنياهو في داخل حزبه كتاجر يجيد المقايضة — كان يُقال إنه يضغط ثم يدفع ثمنًا باهظًا وفي النهاية يخرج بلا صفقة. إسرائيل هي التي دفعت الثمن الباهظ لهذه الحرب، وما كان يمكن توقعه كحد أدنى — الإطاحة بحكم حماس في غزة — يبتعد الآن عنا.
سنتان من الإنجازات العسكرية المذهلة — التي تحققت بشجاعة وبكلفة بشرية عالية — مصحوبة بغياب أي مبادرة دبلوماسية أو عمل سياسي لترجمة تلك الإنجازات إلى واقع أفضل في غزة. وفي هذا الفراغ تسللت الولايات المتحدة و«أصدقاء» آخرون مثل قطر وتركيا.
الأميركيون لا يملكون وصفة واضحة لتفكيك سلاح حماس، لكنهم يعرفون جيدًا كيف يؤطرون إسرائيل كي لا تتجدد العمليات القتالية. نائب الرئيس الأميركي فانس (Vance) أنكر هذا الأسبوع أن تتحول إسرائيل إلى ولاية تابعة لأميركا، لكن في مقر القيادة في تل أبيب لا يتذكرون متى جلس مبعوثو الرئيس الأميركي واحدًا تلو الآخر مع رؤساء أركان الجيش. كوشنر ووايتكوف لم يأتيا للاطلاع على وجهة نظر القادة فحسب — بل ليبلغاهم بالضبط ما يتوقعانه من جيش الدفاع الإسرائيلي.
حتى القاعدة التي أقامها الأميركيون بين ليلة وضحاها في كتريا غات هي سابقة. أصرّ ضباط الجيش الأميركي على ألا يعملوا من داخل قاعدة للجيش الإسرائيلي، بل من قاعدة أميركية مستقلة. وخلال زيارة نائب الرئيس تواجد هناك نحو مئتي جندي أميركي وأصدروا توجيهات — وتردد أركان الجيش الإسرائيلي.
بدا واضحًا من الآن فصاعدًا من هو صاحب القرار. منذ هذه اللحظة، إدارة الولايات المتحدة تُدير سياسة إسرائيل في غزة.
على لوح قابل للمسح كتب أحدهم بسرعة مهام المركز التنسيقي المدني-العسكري (CMCC) الجديد: إنشاء آلية لتوزيع الغذاء والسلع، بناء محطة جديدة في رفح، مراقبة دخول المواد ذات الاستخدام المزدوج إلى القطاع، إنشاء صورة عملياتية مشتركة مع منسق الأنشطة في المناطق، مساعدة الشاباك في غربلة سكان غزة العابرين للخط الأصفر. كلّ هذه المهام تُعالج الآن الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من القطاع.
وعلى الجانب الآخر من «الخط الأصفر» هناك صاحب آخر — عاد ليعزّز حكمه: حماس.
إعادة إعمار غزة أم إعادة إحياء حماس؟
سيلتزم الجهد الأميركي في المرحلة الأولى بالمنطقة الواقعة تحت سيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي. هناك ستبدأ جهود الإعمار، وسُيسمح لغزاويين يرغبون بالعودة إلى مناطق مثل رفح أو شرق خان يونس بالعودة بعد مرورهم بفرز يضمن أنهم ليسوا من عناصر حماس — نموذج تجريبي يُفترض أن يشجع من يرغبون بالانفصال عن حماس. ولكن إذا استمر تدفق الغذاء ومواد البناء أيضًا إلى الجزء الآخر من القطاع، فستزداد قوة حماس وستبدأ هي بنفسها بإعادة إعمار غزة.
على الجانب الغربي من «الخط الأصفر» من المفترض أن يعمل «قوة الاستقرار الدولية» (ISF)، وقد عُرّفت مهمتها بأنها «تدريب ومساعدة قوات شرطة فلسطينية خضعت للفرز». فمن سيؤسس هذه الشرطة؟ أي دول ستشارك في هذه القوة الدولية؟ ومن الذي سيرسل جنوده إلى أرض حماس؟ هذه كلها أسئلة لم توقفها الولايات المتحدة بعد. هناك «فيتو» واضح واحد ومبرر لإسرائيل: جنود أتراك لن يدخلوا إلى غزة.
يبدو أننا نتجه إلى حالة وسطى مطوَّلة في غزة، حيث ستسيطر إسرائيل على نحو نصف القطاع وحماس على النصف الآخر. شرقًا من «الخط الأصفر» ستبقى السيادة الأمنية لإسرائيل، بينما القوة الدولية ومنسق الأنشطة سيعالجان الجوانب المدنية — مزيج غريب من حكم عسكري إسرائيلي وإدارة دولية. كم من الغزاويين سيختارون الانتقال إلى المنطقة الخاضعة لإسرائيل؟ وهل لدينا أصلاً مصلحة في إعادة توطين هؤلاء؟ في إسرائيل لا تُطرح إجابات لهذه الأسئلة.
بدلًا من ذلك، نركز على العلامات التجارية— «حرب النهوض» — اسم يفتخر ويجمل، بعيد كل البعد عن المجزرة التي يريد رئيس الحكومة محوها من الذاكرة. كأننا نؤمن بالفوتوشوب على مصفحات الدم والتجاعيد الحزينة، نجمّل الكارثة ونبيعها كنجاح. الكارثة ستكون أكثر مرارة إذا انتهت «حرب النهضة في النهاية إلى نهوض حماس.
(المصدر: ترجمات عبرية)
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..