د. صريح صالح القاز ـ بوابة صيدا
وفقًا لكتاب "فنّ الصفقة" لصاحبه دونالد ترامب، يمكن توقّع توافقٍ بين الأخير وبوتين على صفقة كبرى، ترتكز على أساس عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، مقابل منع إيران من امتلاك سلاح نووي.
بل قد تمتدّ هذه الصفقة إلى تبادل تنازلات جيوسياسيّة أوسع، كأن تحصل روسيا على مكاسب في أوكرانيا وشرق أوروبا، وتحصل أمريكا وإسرائيل على مكاسب إقليميّة في فلسطين وسوريا ولبنان.
ما أهم التفسيرات التي يقوم عليها هذا التوقّع؟
لعلّ التصريحات العدائيّة التي يُطلقها ترامب وبعض الشخصيّات في طاقمه الجمهوريّ تجاه دول الاتحاد الأوروبيّ وإيران، إلى جانب لهجته المرِنة والتصالحيّة تجاه بوتين والداعمة لإسرائيل، جميعها تدعم هذا التوقّع.
ذلك أنّ ترامب وإدارته باتوا يدركون أنّ استمرار التزام أمريكا بقيادة الناتو والدفاع عن أوروبا لم يعد يخدم المصالح الأمريكيّة؛ فواشنطن تتحمّل حوالي 60٪ من نفقات الحلف، ممّا جعل أوروبا تعتمد عليها عسكريًا.
وبدلًا من الاستثمار في جيوشها، ركّزت أوروبا على الرفاه الاقتصادي، ودخل العديد من دولها خلال العقد الأخير في تعاون اقتصادي مع روسيا، حيث تلقّت الخزانة الروسيّة مبالغ باهظة من أهمّ دول أوروبا نظير الغاز الروسي، فضلًا عن انخراط بعض الدول الأوروبيّة في علاقات تجاريّة مع الصين، مع رغبة جامحة في تعزيز نفوذ اليورو كمنافس مباشر للدولار.
حتى أدركت أمريكا أنّها، في ظلّ هذا الوضع، باتت خاسرة أكثر منها مستفيدة؛ فلا هي نَجَت من دفع الأموال لحلف الناتو، ولا استفادت اقتصاديًّا من صفقات الأسلحة التي كان من المفترض أن تشتريها أوروبا من مصانعها لولا اعتمادها الأمنيّ على أمريكا، ولا نجا الدولار الأمريكي من مزاحمة اليورو في ظلّ هذا الواقع.
والأسوأ - في نظر أمريكا - أنّ الناتو لم يعُد يحمي أمريكا ومصالحها في المقام الأوّل، بل يحمي أوروبا، ما يجعله عبئًا استراتيجيًا أمريكيًا لا أكثر.
لذا، ترى إدارة ترامب أنّ مسؤوليّة الدفاع عن أوكرانيا هي مسؤوليّة أوروبيّة بحتة، ولا مانع لديها من تجميد مشروع انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وترك مصيرها للأوروبيين، والقبول بسيطرة روسيّة موسّعة على مناطق في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وربّما تقديم ضمانات بعدم توسيع الحلف شرقًا، إلى جانب تخفيف العقوبات الاقتصاديّة تدريجيًا، مقابل تنفيذ روسيا لبنود الاتفاق.
وذلك مقابل أن تقوم روسيا بدعم التوجّه الأمريكي الهادف إلى منع إيران من امتلاك القنبلة النوويّة، والتخلّي عنها سياسيًّا في المحافل الدوليّة، وكذلك السكوت ضمنيًا عن التحرّكات الإسرائيليّة في الجبهة الشماليّة (سوريا ولبنان)، وإبداء مرونة تجاه ملفّات الترسيم الحدوديّ (البحريّ والبريّ بين إسرائيل ولبنان، وإسرائيل وسوريا).
ودون شكّ، فإنّ روسيا - رغم ما بينها وبين إيران من تعاون واتفاقات شراكة - ستتفاعل مع هذا التوجّه وتستحسنه؛ لأنّها تدرك أنّه ليس في مصلحة إسرائيل وأمريكا فحسب، بل في مصلحتها هي قبل غيرها.
فهي - أي روسيا - تدرك أنّ إيران نوويّة ستغدو خصمًا قويًّا جيوعسكريًّا، ومنافسًا مباشرًا لها في أوراسيا، لا سيّما وأنّ التاريخ يُخبر روسيا، ويُخبرنا نحن أيضًا، أنّ الصراع الروسيّ-الفارسيّ (بين الإمبراطوريّة الروسيّة والإمبراطوريّة الفارسيّة، وحتى مرحلة الاتحاد السوفييتيّ) كان ممتدًّا لقرون. والنفوذ الإيراني هو أكثر ما يُهدّد الهيمنة الروسيّة في محيطها الحيوي (آسيا الوسطى).
فضلًا عن شعورها بأنّ المكاسب التي ستجنيها في أوكرانيا - كدولة متاخمة وذات عمق استراتيجي لها على البحر الأسود ودول شرق أوروبا - جراء هذه التنازلات المتبادلة، هي أعظم فائدة ممّا قد تخسره لصالح أمريكا وإسرائيل في إيران أو المنطقة العربيّة.
إذ إنّ عودة نفوذها في أوكرانيا تُزيل شعورها بالنقص، وترفع معنويّاتها، لكونها - حسب تصوّرها - استعادة لحقٍّ تاريخيٍّ كان قد سُلِب منها.
بالإضافة إلى أن تثبيت انتصارات روسيا في أوكرانيا يعزّز من شعبيّة الرئيس بوتين وأركان نظامه في داخل روسيا الاتحاديّة، ويجعل الشعب الروسي أكثر وثوقًا بصوابيّة قرارات بوتين، وأكثر تقبّلًا لخسائر روسيا في هذه الحرب.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..