سامر زريق ـ نداء الوطن
تتخذ علاقة السنة مع العهد طابعًا مضطربًا وملتبسًا يحمل الكثير من النُذر السلبية، حيث سرعان ما تبددت موجة التفاؤل العارمة التي ظلّلت لحظة انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، وراحت ترتسم مكانها صورة مركّبة شديدة التناقض: مزاج عام مشحون ضد "العهد" ينمو بشكل سلبي على وقع التراكمات، مقابل التفاف نخبوي حول رئاسة الجمهورية، على حساب رئاسة الحكومة، طابعه فردي ومكتوم... ونفعي.
وفيما ينصبّ تركيز "العهد" بشكل أساسي على مسألتين مترابطتين: حصرية السلاح في يد الدولة، وإعادة صياغة دور جديد ضمن المعادلة الإقليمية الناشئة، فإن الاستراتيجية المتّبعة إزاءهما تبدو أقرب إلى أسلوب "الضغط المنخفض" في كرة القدم، القائم على ترك الكرة وتكوين بلوك دفاعي في الثلث الأخير لصدّ الخصوم، واستغلال المساحات الناشئة في خطوطهم الخلفية لتنفيذ هجمات مرتدة. ومع أن هذه الاستراتيجية ناجعة في حال وجود فجوة في الإمكانيات مع المنافسين، إلا أن الإشكالية المثارة تكمن في المبالغة في تقدير الخصوم، بما يدفع إلى عدم تنفيذ هجمات مرتدة منظمة، والارتضاء بالتعادل السلبي، أو انتظار هدف من نيران صديقة.
في ظل هذه الاستراتيجية يبدو "العهد" كأنه يبالغ في تدليل "حزب الله" والرئيس نبيه بري على حساب الدولة والفاعلين الخارجيين والقوى المحلية، ومنها السنة الذي كان الرهان قائمًا لديهم على مبادرة بعبدا إلى صياغة علاقة معهم تكون أكثر إنصافاً حيال العديد من المسائل الحساسة، التي أسهمت في استيلاد شعور بالمظلومية والتهميش خلال وصاية "الحزب" الإلهي ومن قبله نظام الأسد. بيد أن تراكم مجموعة من العوامل دفع المزاج العام إلى الريبة الحذرة، تطورت نحو التوتّر فالاحتقان.
بدايةً مع الانطباع السائد بأن "القصر" محرّم على السنة، مع ندرة العارفين بوجود مستشارين يمثلون الثقل السني، وربما يُعزى ذلك إلى محدودية حضورهم وتأثيرهم ضمن آليات صناعة القرار. مرورًا باستمرار التنميط الهوياتي، وسياسة الضغط الشديد كنهج حاكم للأجهزة الأمنية في تعاملها مع السنة، في لحظة بدت فيها إمرة المؤسسات الأمنية كلها في بعبدا. والعلاقة الباردة الأقرب إلى السلبية مع دمشق الجديدة وعصبها السني البارز، إحدى علائمها تجلّت في دعاء خطباء الجمعة الدائم لها بالحفظ والتمكين.
وصولًا إلى التعامل البارد مع مواقف مفتي الجمهورية التي سعى من خلالها إلى تنفيس احتقان الشارع، وحملت رسائل إلى "العهد"، وكذلك مع الدعاية المكثفة التي تروجها الآلة الدعائية لـ "حزب الله" حيال شائعة اقتطاع طرابلس وبعض البقاع، حيث لم يسجل إطلاق مواقف تشي بالاهتمام أو حصول تواصل مع دار الفتوى.
يضاف إلى ذلك بأن استراتيجية الضغط في مناطق منخفضة أدت إلى تساؤل سعودي من عهد أسهمت في صنعه، وتوسّمت فيه قيادة مشروع الدولة كرأس حربة يبرع في تسجيل الأهداف، ولا يكتفي بتلقي اللعب في مناطقه. وهذا ما تُرجم بالعديد من الإشارات السلبية، ربما يكون أبرزها عدم تحديد موعد لزيارة ثانية من أجل توقيع الاتفاقيات الثنائية الجاهزة.
ناهيكم عن عدم رضى واشنطن عن هذه المقاربة التي تعتبر بأنها غير مؤهلة لمنح لبنان بطاقة صعود إلى قطار التحولات السريع، الأمر الذي قادها لإطلاق أول إشارة دالّة على موقفها من الرد الرسمي الذي قُدّم لموفدها توم برّاك، من خلال دفع سوريا للضغط على لبنان عبر تصعيد سريع في مسألة الموقوفين في السجون اللبنانية، بسبب تأييدهم الثورة ضد الأسد، والتي تشكل كرة نار هائلة بأبعاد سنية تتصل بقضية الموقوفين الإسلاميين، عنوان المظلومية المستدامة. والعلاقة مع سوريا كانت واحدة من المسائل الأساسية في الورقة الأميركية.
كل هذه العوامل تسهم في تأجيج احتقان المزاج السني ودفعه نحو الذروة مع انكشاف الدعم الخليجي والدولي، في موازاة الغموض المصاحب لاستراتيجية "العهد"، وما يتركه من مساحة واسعة لدعاية مضادة ومضللة تزيد من حجم الالتباس، وتعطي انطباعاً باستمرارية الماضي، ولا سيما في ظل عدم استطاعة النخب السنية المتحلقة حول بعبدا جسر هذه الفجوة، لأسباب عديدة تتصل بالبحث عن نفوذ وعدم توفر أدوات هذا الدور.
وبالتالي، فإن المطلوب من "العهد" هو مخاطبة اللبنانيين لإحاطتهم أكثر بتفاصيل الاستراتيجيا المرتبطة بحصرية السلاح ومراحلها، وكيفية إعادة تشكيل دور لبناني واعد في المعادلة الإقليمية، فضلاً عن تفعيل آليات التواصل وقنوات الاتصال مع السنة لتذويب مشاعر الإقصاء في لحظة مفصلية تستلزم رفع منسوب الثقة وتمتين التوازنات.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..