• لبنان
  • الثلاثاء, كانون الثاني 07, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 4:18:39 ص
inner-page-banner
إسلاميات

سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ جَحْشٍ رضي اللَّه عنه إِلَى نَخْلَةٍ..

بوابة صيدا

فِي رَجَبَ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الهِجْرَةِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَبْدَ اللَّهِ بنَ جَحْشٍ -رضي اللَّه عنه- إِلَى نَخْلَةٍ (هو موضع بالحجاز قريب من مكة، فيه نخل وزرع) وَمَعَهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَقِيلَ في ثَمَانِيَةٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الأَنْصَارِ أَحَدٌ، وَكَانُوا كُلَّ اثْنَيْنِ يَعْتَقِبَانِ بَعِيرًا.

وَكتَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كِتَابًا، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتَّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَنْظُرَ فِيهِ، فَيَمْضِيَ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَلَا يَسْتَكْرِهْ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا.

فَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ، ثُمَّ قَرَأَ الكِتَابَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، فَإِذَا فِيهِ: "إِذَا نَظَرْتَ في كتَابِي هَذَا، فَامْضِ حَتَّى تَنْزِلَ نَخْلَةً، بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، فتَرَصَّدْ (تترقب) بِهَا قُرَيْشًا، وَتَعَلَّمْ لَنَا مِنْ أخْبَارِهِمْ".

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ جَحْشٍ -رضي اللَّه عنه-: سَمْعًا وَطَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنْ أَمْضِيَ إِلَى نَخْلَةٍ، أَرْصُدُ بِهَا قُرَيْشًا، حَتَّى آتِيَهُ مِنْهُمْ بِخَبَرٍ، وَقَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ أحَدًا مِنْكُمْ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الشَّهَادَةَ وَيَرْغَبُ فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ، وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَلْيَرْجعْ، فَأَمَّا أنَا فَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

فَمَضَى وَمَضَى مَعَهُ أصْحَابُهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَسَلَكَ عَلَى الحِجَازِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِمَعْدِن، فَوْقَ الفُرُعِ، يُقَالُ لَهُ: بُحْرَانِ، أَضَلَّ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وعُتْبَةُ بنُ غَزْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بَعِيرًّا لَهُمَا كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ، فتَخَلَّفا عَلَيْهِ في طَلَبِهِ.

وَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ جَحْشٍ -رضي اللَّه عنه- وبَقِيَّةُ أَصْحَابِهِ حَتَّى نَزَلَ نَخْلَةً، فَمَرَّتْ بِهِ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأُدْمًا (الأدم ما يُؤكل مع الخُبز أي شيء كان) وتِجَارَةً مَنْ تِجَارَةِ قُرَيْشٍ، فِيهَا عَمْرُو بنُ الحَضْرَمِيِّ، وَعُثْمَانُ ونَوْفَلُ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بنِ المُغِيرَةِ، وَالحَكَمُّ بَنُ كَيْسَانَ مَوْلَى هِشَامِ بنِ المُغِيرَةِ، فَلَمَّا رَآهُمُ القَوْمُ هَابُوهُمْ وأنْكَرُوا أمْرَهُمْ، وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ، فَأَشْرَفَ لَهُمْ عُكَّاشَةُ بنُ مُحْصِنٍ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ، لِيُطَمْئِنَ القَوْمَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ أَمِنُوا، وَقَالُوا: هُمْ عُمَّارٌ، لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ، فَسَرَّحُوا رِكَابَهُمْ (الإبل التي تَحمِل القوم)، وَصَنَعُوا طَعَامًا، وَتَشَاوَرَ المُسْلِمُونَ فِيهِمْ، وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبَ -وهُوَ شَهْرٌ حَرَامٌ- فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ تَرَكْتُمُوهُمْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَيَدْخُلَنَّ الحَرَمَ، فَلَيَمْتَنِعُنَّ بِهِ مِنْكُمْ، وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلُنَّهُمْ في الشَّهْرِ الحَرَامِ، فتَرَدَّدَ القَوْمُ، وَهَابُوا الإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ شَجَّعُوا أنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَدِرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ، فَرَمَى وَاقِدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ عَمْرَو بنَ الحَضْرَمِيِّ بِسَهْمٍ فَقتَلَهُ، وَشَدَّ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ، وَاسْتُأْسِرَ عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالحَكَمُ بنُ كَيْسَانَ، وَأَفْلَتَ نَوْفَلُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَعْجَزَهُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ جَحْشٍ - رضي اللَّه عنه - لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - مِمَّا غَنِمْنَا الخُمُسُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ اللَّهُ تَعَالَى الخُمُسَ مِنَ المَغَانِمِ، فَعَزَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - خُمُسَ العِيرِ، وَقَسَّمَ سَائِرَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ أقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ جَحْشٍ -رضي اللَّه عنه- بِالعِيرِ وَالأَسِيرينِ إِلَى المَدِينَةِ. فَكَانَ في هَذِهِ السَّرِيَّةِ أَوَّلَ خُمُسٍ في الإِسْلَامِ، وَأَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْكُفَّارِ فيِ الإِسْلَامِ، وَأَوَّلَ أَسِيرَيْنِ في الإِسْلَامِ.

فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- المَدِينَةَ قَالَ لَهُمْ: "مَا أمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ في الشَّهْرِ الحَرَامِ"، وَتَوَقَّفَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- في التَّصَرُّفَ في العِيرِ وَالأَسِيرَيْنِ، وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا.

فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُقِطَ في أيْدِي القَوْمِ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، وعَنَّفَهُمْ إخْوَانُهُمْ مِنَ المُسْلِمِينَ فِيمَا صَنَعُوا، وَاتَّخَذَ المُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّا حَدَثَ وَسِيلَةً لِلطَّعْنِ في المُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: قَدِ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشَّهْرَ الحَرَامَ، وَسَفَكُوا فِيهِ الدَّمَ، وَأَخَذُوا فِيهِ الأَمْوَالَ، وَأَسَرُوا فِيهِ الرِّجَالَ.

وَأَرْجَفَ (أرجَفَ القوم: إذا خاضُوا في الأخبار السيِّئَة وذِكر الفتن) اليَهُودُ في المَدِينَةِ، قَصْدَ إِشْعَالِ الفِتْنَةِ، فَلَمَّا أكْثر النَّاسُ في ذَلِكَ مِنَ العِتَابِ وَالإِرْجَافِ مِنَ الأَعْدَاءَ، أنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (سورة البقرة).

فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَاتُ فَرِحَ المُسْلِمُونَ، وَقَدْ فَرَّجَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الخَوْفِ وَالهَمِّ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَبَضَ العِيرَ وَالأَسِيرَيْنِ، وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ في فِدَاءِ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالحَكَمِ بنِ كَيْسَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا نَفْدِيكُمُوهُمَا حَتَّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا" -يَعْنِي سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُتْبَةَ بنَ غَزْوَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وكَانَا قَدْ تَخَلَّفَا عَنِ القَوْمِ قَبْلَ وُصُولهِمْ نَخْلَةً، بَحْثًا عَنْ بَعِيرِهِمُ الذِي أضَلَّاهُ- فَإِنَّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ.

فَقَدِمَ سَعْدٌ وعُتْبَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَفَدَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْهُمْ، فَأَمَّا الحَكَمُ بنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ، فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وأقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا، وَأَمَّا عُثْمَانُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا.

وَبَعْدَ وُقُوعِ مَا وَقَعَ في سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ جَحْشٍ -رضي اللَّه عنه- تَحَقَّقَ خَوْفُ المُشْرِكِينَ، وتَجَسَّدَ أمَامَهُمُ الخَطَرُ الحَقِيقِيُّ، وَوَقَعُوا فِيمَا كَانُوا يَخْشَوْنَ الوُقُوعَ فِيهِ، وَعَلِمُوا أَنَّ أَهْلَ المَدِينَةِ في غَايَةٍ مِنَ التَّيَقُّظِ والتَّرَبُّصِ، تَترَقَّبُ كُلَ حَرَكَةٍ مِنْ حَرَكَاتِهِمُ التِّجَارِيَّةَ، وَأَنَّ المُسْلِمِينَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَزْحَفُوا إِلَى (400) كيلو مِترٍ تَقْرِيبًا، ثُمَّ يَقْتُلُوا ويَأْسِرُوا رِجَالَهُمْ، وَيَأْخُذُوا أمْوَالَهُمْ، ويَرْجِعُوا سَالِمِينَ غَانِمِينَ، وشَعَرَ هَؤُلَاءِ المُشْرِكُونَ بِأَنَّ تِجَارَتَهُمْ إِلَى الشَّامِ أمَامَ خَطَرٍ دَائِمٍ، لَكِنَّهُمْ بَدَلَ أَنْ يَفِيقُوا عَنْ غَيِّهِمْ ويَأْخُذُوا طَرِيقَ الصَّلَاحِ والمُوَادَعَةِ ازْدَادُوا حِقْدًا وَغَيْظًا، وَصَمَّمَ صَنَادِيدُهُمْ وكُبرَاؤُهُمْ عَلَى مَا كَانُوا يُوعِدُونَ وَيُهَدِّدُونَ بِهِ مِنْ قَبْلُ، مِنْ إبَادَةِ المُسْلِمِينَ في عُقْرِ دَارِهِمْ، وهَذَا هُوَ الطَّيْشُ الذِي جَاءَ بِهِمْ إِلَى بَدْرٍ.

(المصدر: الرحيق المختوم + اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون)

 

ـــــــــــــ  

إقرأ ايضاً

وقعة أبي عبيد.. هزيمة المسلمين الوحيدة ضد الفرس

أول هزيمة للمسلمين في بلاد الشام.. في معركة "مرج الصفر"

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة