بوابة صيدا
في قلب البقاع اللبناني، وعلى تخوم الجغرافيا السياسية المتشابكة، اندلعت شرارة معركة زحلة في كانون الأول / ديسمبر 1980م، لتتحول من اشتباك داخلي بين فصيلين مسيحيين إلى مواجهة مفتوحة مع الجيش السوري. لم تكن زحلة تحترق فقط بنيران المدافع، بل كانت تحترق بأسئلة الهوية، والولاء، والقرار اللبناني المستقل.
ما بدأ كصراع بين القوات اللبنانية و نمور الأحرار سرعان ما كشف هشاشة التحالفات، وعمق الانقسام داخل الصف المسيحي، قبل أن تتدخل دمشق بقوة السلاح، وتُحاصر المدينة لأشهر طويلة، في واحدة من أكثر المعارك دموية ورمزية خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
زحلة لم تكن مجرد مدينة محاصرة، بل كانت مرآة لحرب الأشقاء التي تجاوزت حدود البيت الواحد، وفتحت أبوابًا جديدة للمواجهة الإقليمية، وأعادت رسم خرائط النفوذ في لبنان المنهك.
بعد إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت الشرقية، قررت القوات اللبنانية بزعامة بشير الجميل، ربط المناطق المسيحية ببعضها، لتأمين التواصل فيما بينها.. فبدأت بتدريب عناصرها لشن حرب عصابات ضد الجيش السوري، في مناطق تواجده في القرى المسيحية، لإجباره على الخروج منها...
في 22 كانون الأول / ديسمبر 1980م (15 صفر 1401هـ) سمحت القوات السورية لعناصر مسلحة تابعة لـ " نمور الأحرار " الجناح العسكري لـ "الوطنيين الأحرار" الذين أجبروا على الخروج من مناطقهم، بعد الحرب التي شنها عليهم زعيم القوات اللبنانية بشير الجميل في 7 تموز / يوليو 1980م (25 شعبان 1400هـ) بحجة تمردهم على قراره، وأدت هذه الحرب إلى تدمير التنظيم العسكري، ولجوئه إلى بيروت الغربية.
دخول عناصر الأحرار إلى منطقة زحلة أغضب القوات اللبنانية، واتهمتهم بالعمالة للنظام السوري، فحركت قواتها وقامت بمحاصرة المكان والسيطرة عليه، مما أثار غضب القوات السورية، فعمدت إلى الانتشار على بعض التلال المحيطة بمدينة زحلة، ولكن دون وقوع اي اشتباك بين الطرفين..
بدأت القوات اللبنانية بحشد الحلفاء المسيحيين لتأييد صوابية فعلها، وحثت الكتائب، وحراس الأرز على الوقوف معها في التصدي لمحاولة الجيش السوري دخول المدينة..
استمرت المناوشات الخفيفة بين الطرفين حتى نهاية شهر آذار / مارس 1981م.
في صبيحة 1 نيسان / ابريل 1981م (26 جمادى الأولى 1401هـ) تقدمت قوة من الجيش السوري ومعها جرافة باتجاه إحدى التلال لتحسين مواقعها القتالية، فقامت مجموعة من القوات اللبنانية بقصف الجرافة وتدميرها، وقامت مجموعات أخرى بتطويق القوات السورية في منطقة الجسر، والمعلقة وحوش الأمراء..
أرسل الجيش السوري مجموعة لفك الحصار على جنوده، تتقدمهم عدة دبابات، فوقعوا في كمين نُصب لهم، مما أدى إلى تدمير الدبابات، وأجهز عناصر القوات اللبنانية وحلفائها على الجنود السوريين، فتم إبادة الرتل بكامله..
فاستقدمت القوات السورية رتلاً آخر، ودارت معركة عنيفة بين الطرفين، إلا أن القوات السورية استطاعت الوصول إلى المعلقة، وفك الحصار عن إحدى مجموعاتها المحاصرة، واستطاعوا السيطرة على تلة الحمّار، حيث بدأوا بقصف المراكز العسكرية التابعة للقوات وحلفائها داخل مدينة زحلة، والتي تقع بين الأحياء السكنية، مما ادى إلى مقتل عدد من المدنيين..
طلبت القوات اللبنانية الدعم من مقاتليها خارج زحلة، لفك الحصار عنها، ودحر الجيش السوري، وبدأت مدافع القوات القريبة من زحلة، قصف قواعد التمركز الخاصة بالجيش السوري، إلا أنها لم تستطع فك الحصار عن المدينة.. بل استطاعت القوات السورية السيطرة على التلال المشرفة على زحلة.. والسيطرة على منطقة الشير الأحمر والغرفة الفرنسية، وتلال قاع الريم وقلعة عرنطة، مما أدى إلى إحكام الحصار على المدينة..
وهنا تدخل الطيران الحربي الإسرائيلي لفك الحصار عن المدينة، إلا أنه فشل، رغم تدميره عدد من مواقع الجيش السوري، وبعض طائراته المروحية..
وخوفاً من وقوع حرب سورية ـ إسرائيلية أوفد الرئيس الأميركي رونالد ريغن سفيره فيليب حبيب إلى لبنان، واستطاع التوصل إلى اتفاق يقضي بخروج مقاتلي القوات اللبنانية من زحلة ودخول قوات الدرك اللبناني إليها.
في 30 تموز / يوليو 1981م (29 رمضان 1401هـ) فكت القوات السورية الحصار عن زحلة بعد خروج جميع المقاتلين منها.
قُتل في هذه المعارك نحو 200 عنصر من القوات اللبنانية، مقابل 300 قتيل من القوات السورية، بحسب تقديرات غير رسمية.
كشفت المعركة عن الانقسام المسيحي الداخلي رغم وحدة الطائفة في مواجهة النفوذ السوري، كما أظهرت أن الجيش السوري لم يكن مجرد قوة ردع بل طرفًا مباشرًا في النزاع اللبناني، ما زاد من تعقيد الحرب الأهلية.
(المصدر: بوابة صيدا + مواقع التواصل)
ــــــــــــــ
إقرأ أيضاً
معركة الفنادق في وسط بيروت.. واحدة من أُولى الجبهات التي فُتحت في الحرب الأهلية في عام 1975
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..