• لبنان
  • السبت, كانون الأول 21, 2024
  • اخر تحديث الساعة : 6:25:00 م
inner-page-banner
يهوديات

من صفات اليهود الجهل.. والغباوة 3 / 3

بوابة صيدا

يقول ابن القيم رحمه الله في كتاب "هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى" 2 / 589 ـ 591

وَمِنْ جَهْلِهِمْ أَنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا مَاتَ وَدَفَنَهُ مُوسَى قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: أَنْتَ قَتَلْتَهُ، حَسَدْتَهُ عَلَى خُلُقِهِ وَلِينِهِ مِنْ مَحَبَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَهُ، قَالَ: فَاخْتَارُوا سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَوَقَفُوا عَلَى قَبْرِ هَارُونَ، فَقَالَ مُوسَى: يَا هَارُونُ، أَقُتِلْتَ أَمْ مُتَّ؟ فَقَالَ: بَلْ مُتُّ وَمَا قَتَلَنِي أَحَدٌ.

فَحَسْبُكَ مِنْ جَهَالَةِ أُمَّةٍ وَجَفَائِهِمْ أَنَّهُمُ اتَّهَمُوا نَبِيَّهُمْ وَنَسَبُوهُ إِلَى قَتْلِ أَخِيهِ، فَقَالَ مُوسَى: مَا قَتَلْتُهُ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ كَلَامَهُ وَبَرَّأَهُ أَخُوهُ مِمَّا رَمَوْهُ بِهِ.

وَمِنْ جَهْلِهِمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَبَّهُهُمْ فِي حَمْلِهِمُ التَّوْرَاةَ، وَعَدَمِ الْفِقْهِ فِيهَا، وَالْعَمَلِ بِهَا بِالْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَفِي هَذَا التَّشْبِيهِ مِنَ النِّدَاءِ عَلَى جَهَالَتِهِمْ وُجُوهٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا:

أَنَّ الْحِمَارَ مِنْ أَبْلَدِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ فِي الْبَلَادَةِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ حَمَلَ غَيْرَ الْأَسْفَارِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ عَلَقٍ أَوْ مَاءٍ لَكَانَ لَهُ بِهِ شُعُورٌ مَا.

وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ حِينَ حُمِّلُوهَا حَيْثُ حُمِّلُوهَا تَكْلِيفًا وَقَهْرًا لَا أَنَّهُمْ حَمَلُوهَا طَوْعًا وَاخْتِيَارًا، بَلْ كَانُوا كَالْمُكَلَّفِينَ لَمَّا حُمِّلُوا لَمْ يَرْفَعُوا بِهِ رَأْسًا.

وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ حَيْثُ حُمِّلُوهَا تَكْلِيفًا وَقَهْرًا لَمْ يَرْضَوْا بِهَا وَلَمْ يَحْمِلُوهَا رِضَاءً وَاخْتِيَارًا، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ حَمْلِهَا، وَأَنَّهُمْ إِنْ حَمَلُوهَا اخْتِيَارًا كَانَتْ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَصَالِحِ مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِعْرَاضُهُمْ عَنِ الْتِزَامِ مَا فِيهِ سَعَادَتُهُمْ وَفَلَاحُهُمْ إِلَى ضِدِّهِ مِنْ غَايَةِ الْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ، وَعَدَمِ الْفَطَانَةِ.

وَمِنْ جَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ أَنَّهُمْ طَلَبُوا عِوَضَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ أَطْيَبِ الْأَطْعِمَةِ وَأَنْفَقِهَا وَأَوْفَقِهَا لِلْغِذَاءِ الصَّالِحِ: الْبَقْلَ وَالْقِثَّاءَ وَالْفُومَ وَالْعَدَسَ وَالْبَصَلَ، وَمَنْ رَضِيَ بِاسْتِبْدَالِ هَذِهِ الْأَغْذِيَةِ عِوَضًا عَنِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى لَمْ يُسْتَكْثَرْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْدِلَ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ، وَالضَّلَالَةَ بِالْهُدَى، وَالْغَضَبَ بِالرِّضَى، وَالْعُقُوبَةَ بِالرَّحْمَةِ، وَهَذَا حَالُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ رَبَّهُ وَلَا كِتَابَهُ، وَلَا رَسُولَهُ، وَلَا نَفْسَهُ.

وَأَمَّا نَقْضُهُمْ مِيثَاقَهُمْ وَتَبْدِيلُهُمْ أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ، وَتَحْرِيفُهُمُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَأَكْلُهُمُ الرِّبَا، وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ، وَأَكْلُهُمُ الرِّشَا، وَاعْتِدَاؤُهُمْ فِي السَّبْتِ، حَتَّى مُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَقَتْلُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَتَكْذِيبُهُمْ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ، وَرَمْيُهُمْ لَهُ وَلِأُمِّهِ بِالْعَظَائِمِ، وَحِرْصُهُمْ عَلَى قَتْلِهِ، وَتَفَرُّدُهُمْ دُونَ الْأُمَمِ بِالْخُبْثِ وَالْبَهْتِ، وَشِدَّةُ مُكَالَبَتِهِمْ عَلَى الدُّنْيَا وَحِرْصِهِمْ عَلَيْهَا، وَقَسْوَةُ قُلُوبِهِمْ وَحَسَدُهُمْ، وَكَثْرَةُ سِحْرِهِمْ فَإِلَيْهِ النِّهَايَةُ.

وَهَذَا وَأَضْعَافُهُ مِنَ الْجَهْلِ وَفَسَادِ الْعَقْلِ قَلِيلٌ عَلَى مَنْ كَذَّبَ رُسُلَ اللَّهِ، وَبَاءَ بِمُعَادَاتِهِ وَمُعَادَاةِ مَلَائِكَتِهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَأَهْلِ وِلَايَتِهِ.

فَأَيُّ شَيْءٍ عَرَفَ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ وَرُسُلَهُ؟ وَأَيُّ حَقِيقَةٍ أَدْرَكَ مَنْ فَاتَتْهُ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ؟ وَأَيُّ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ حَصَلَ لِمَنْ فَاتَهُ الْعِلْمُ بِاللَّهِ وَالْعَمَلُ بِمَرْضَاتِهِ وَمَعْرِفَةُ الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ وَمَا لَهُ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ.

فَأَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالْبَغْيِ إِلَّا مَنْ أَشْرَقَ عَلَيْهِ نُورُ النُّبُوَّةِ، كَمَا فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ وَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ فَكَذَلِكَ أَقُولُ: جَفَّ الْعِلْمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ رُسُلَهُ لِيُخْرِجُوا النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، فَمَنْ أَجَابَهُمْ خَرَجَ إِلَى الْفَضَاءِ وَالنُّورِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْهُمْ بَقِيَ فِي الضِّيقِ وَالظُّلْمَةِ الَّتِي خُلِقَ فِيهَا، وَهِيَ ظُلْمَةُ الطَّبْعِ وَظُلْمَةُ الْجَهْلِ وَظُلْمَةُ الْهَوَى وَظُلْمَةُ الْغَفْلَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَكَمَالِهَا وَمَا تَسْعَدُ بِهِ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا.

فَهَذِهِ كُلُّهَا ظُلُمَاتٌ، خُلِقَ فِيهَا الْعَبْدُ فَبَعَثَ اللَّهُ رُسُلَهُ لِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا إِلَى نُورِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْإِيمَانِ وَالْهُدَى الَّذِي لَا سَعَادَةَ لِلنَّفْسِ بِدُونِهِ أَلْبَتَّةَ، فَمَنْ أَخْطَأَهُ هَذَا النُّورُ أَخْطَأَهُ حَظُّهُ وَكَمَالُهُ وَسَعَادَتُهُ، وَصَارَ يَتَقَلَّبُ فِي ظُلُمَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، فَمَدْخَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَخْرَجُهُ ظُلْمَةٌ، وَقَوْلُهُ ظُلْمَةٌ، وَعَمَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَقَصْدُهُ ظُلْمَةٌ، وَهُوَ مُتَخَبِّطٌ فِي ظُلُمَاتِ طَبْعِهِ وَهَوَاهُ وَجَهْلِهِ، وَوَجْهُهُ مُظْلِمٌ، وَقَلْبُهُ مُظْلِمٌ، لِأَنَّهُ مُبَقًّى عَلَى الظُّلْمَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَلَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ وَالْإِرَادَاتِ وَالْعَقَائِدِ إِلَّا ظُلُمَاتُهَا، فَلَوْ أَشْرَقَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ نُورِ النُّبُوَّةِ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ إِشْرَاقِ الشَّمْسِ عَلَى بَصَائِرِ الْخَفَّاشِ.

 

ــــــــــــــ

إقرأ ايضاً

من صفات اليهود الجهل.. والغباوة 1 / 3

من صفات اليهود الجهل.. والغباوة 2 / 3

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة