يقول ابن القيم رحمه الله في كتاب "هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى" 2 / 586 ـ 587
أَمَّا الْيَهُودُ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - فَقَدْ حَكَى اللَّهُ لَكَ عَنْ جَهْلِ أَسْلَافِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ لِلْعِجْلِ وَضَلَالِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا وَرَاءَهُ مِنْ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ الَّتِي بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ عِبَادَتُهُمُ الْعِجْلَ الَّذِي صَنَعَتْهُ أَيْدِيهِمْ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِنْ غَبَاوَتِهِمْ وَبَلَادَتِهِمْ أَنْ جَعَلُوهُ عَلَى صُورَةِ أَبْلَهِ الْحَيَوَانِ، وَأَقَلِّهِ فَطَانَةً الَّذِي يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِهِ فِي قِلَّةِ الْفَهْمِ، فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْجَهَالَةِ وَالْغَبَاوَةِ الْمُجَاوِزَةِ لِلْحَدِّ، كَيْفَ عَبَدُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَقَدْ شَاهَدُوا مِنْ أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ وَعَظَمَةِ الرَّبِّ وَجَلَالِهِ مَا لَمْ يُشَاهِدْهُ سِوَاهُمْ؟!
وَإِذْ قَدْ عَزَمُوا عَلَى اتِّخَاذِ إِلَهٍ دُونَ اللَّهِ فَاتَّخَذُوهُ وَنَبِيُّهُمْ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِهُمْ، لَمْ يَنْتَظِرُوا مَوْتَهُ! وَإِذْ قَدْ فَعَلُوا فَلَمْ يَتَّخِذُوهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَلَا مِنَ الْأَحْيَاءِ النَّاطِقِينَ، بَلِ اتَّخَذُوهُ مِنَ الْجَمَادَاتِ! وَإِذْ قَدْ فَعَلُوا، فَلَمْ يَجْعَلُوهُ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْعُلْوِيَّةِ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، بَلْ هُوَ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْأَرْضِيَّةِ!
وَإِذْ قَدْ فَعَلُوا لَمْ يَتَّخِذُوهُ مِنَ الْجَوَاهِرِ الَّتِي خُلِقَتْ فَوْقَ الْأَرْضِ عَالِيَةً عَلَيْهَا كَالْجِبَالِ وَنَحْوِهَا، بَلْ مِنْ جَوَاهِرَ لَا تَكُونُ إِلَّا تَحْتَ الْأَرْضِ، وَالصُّخُورُ وَالْأَحْجَارُ عَالِيَةٌ عَلَيْهَا!
وَإِذْ قَدْ فَعَلُوا فَلَمْ يَتَّخِذُوهُ مِنْ جَوْهَرٍ يَسْتَغْنِي عَنِ الصَّنْعَةِ، وَإِدْخَالِ النَّارِ وَتَقْلِيبِهِ وُجُوهًا مُخْتَلِفَةً، وَضَرْبِهِ بِالْحَدِيدِ وَسَبْكِهِ، بَلْ مِنْ جَوْهَرٍ يَحْتَاجُ إِلَى نَيْلِ الْأَيْدِي لَهُ بِضُرُوبٍ مُخْتَلِفَةٍ وَإِدْخَالِهِ النَّارَ وَإِحْرَاقِهِ وَاسْتِخْرَاجِ خَبَثِهِ، وَإِذْ قَدْ فَعَلُوا، فَلَمْ يَصُوغُوهُ عَلَى تِمْثَالِ مَلَكٍ كَرِيمٍ، وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَلَا عَلَى تِمْثَالِ جَوْهَرٍ عُلْوِيٍّ لَا تَنَالُهُ الْأَيْدِي، بَلْ عَلَى تِمْثَالِ حَيَوَانٍ أَرْضِيٍّ، وَإِذْ قَدْ فَعَلُوا لَمْ يَصُوغُوهُ عَلَى مِثَالِ أَشْرَفِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَقْوَاهَا وَأَشَدِّهَا امْتِنَاعًا مِنَ الضَّيْمِ كَالْأَسَدِ وَالْفِيلِ وَنَحْوِهِمَا، بَلْ صَاغُوهُ عَلَى تِمْثَالِ أَبْلَدِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَقْبَلِهِ لِلضَّيْمِ وَالذُّلِّ بِحَيْثُ تُحْرُثُ عَلَيْهِ الْأَرْضُ، وَيُسْقَى عَلَيْهِ بِالسَّوَاقِي وَالدَّوَالِيبِ، وَلَا لَهُ قُوَّةٌ يَمْتَنِعُ بِهَا مِنْ كَبِيرٍ وَلَا صَغِيرٍ، فَأَيُّ مَعْرِفَةٍ لِهَؤُلَاءِ بِمَعْبُودِهِمْ وَنَبِيِّهِمْ وَبِحَقَائِقِ الْمَوْجُودَاتِ؟
وَحَقِيقٌ بِمَنْ سَأَلَ نَبِيَّهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ إِلَهًا فَيَعْبُدَ الْأَصْنَامَ إِلَهًا مَجْعُولًا بَعْدَ مَا شَاهَدَ تِلْكَ الْآيَاتِ الْبَاهِرَاتِ أَنْ لَا يَعْرِفَ حَقِيقَةَ الْإِلَهِ وَلَا أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ وَنُعُوتَهُ وَدِينَهُ، وَلَا يَعْرِفَ حَقِيقَةَ الْمَخْلُوقِ وَحَاجَتَهُ وَفَقْرَهُ، وَلَوْ عَرَفَ هَؤُلَاءِ مَعْبُودَهُمْ وَرَسُولَهُ لَمَا قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً، وَلَا قَالُوا لَهُ: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا.
وَلَا قَتَلُوا نَفُسًا، وَطَرَحُوا الْمَقْتُولَ عَلَى أَبْوَابِ الْبَرَاءِ مِنْ قَتْلِهِ وَنَبِيُّهُمْ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِهُمْ، وَخَبَرُ السَّمَاءِ وَالْوَحْيُ يَأْتِيهِ صَبَاحًا وَمَسَاءً، فَكَأَنَّهُمْ جَوَّزُوا أَنْ يَخْفَى هَذَا عَلَى اللَّهِ كَمَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ؟!
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..