جهاد العايش
10 – إلههم في كتبهم، غضب عليهم وشردهم وكتب عليهم الجلاء من فلسطين: لا أشك أن اليهود يدركون تماما أنه ليس ثمة شيء يسمى عناية إلهية تحفظهم، فكيف لهذه العناية الإلهية أن تحفظ أسوا عنصر بشري اعتدى على معبوده وإلهه، واتهمه وأنبياءه بأسوأ ما يتهم به شخص مارس كل ألوان الفواحش؟!.
لكن حسبنا في هذا المقام أن نلفت الانتباه إلى ما ذكره إلههم في كتابهم كيف أنه عاقبهم بمن يثخن بهم القتل، ويعمل على تشريدهم، وتدمير بيوتهم ومدنهم، فقد جاءت جملة من أقوال إلههم منها: أنه قد مل من كثرة الندامة بسبب خلق اليهود المعاندين في المعصية، لذا فقد تركهم إلى القتل بالسيف والسحب بالكلاب والأكل والإهلاك من قبل طير السماء ووحش الأرض، وبالتشتيت في أبواب الأرض، تنكيلا بشعبه وإبادة له (أرميا 15/ 1-8). وأن من أساليب التنكيل باليهود شعبه المختار ذبح الأطفال وشق بطون الحوامل، وقتل الشيوخ والشباب والعذارى، وملء الدور قتلى من بني إسرائيل (حزيقال 9/5-8).
ويسترسل رب إسرائيل بحقده عليهم حتى يبددهم في أمم لم يعرفوها، ويسقيهم ماء العلقم، يعمل فيهم السيف فيفنيهم عن بكرة أبيهم (أرميا 13 / 17).
ويزيد ربهم من انتقامه على أورشليم، ومدن يهودا، فتخرب جميعا، بلا ساكن، وبحرقها بالنار، ويملكهم بالوباء، فيموت منهم عشرات الألوف.
إلههم يفنيهم: «فقال الرب على تركهم شريعتي التي جعلتها أمامهم، ولم يسمعوا لصوتي ولم يسلكوا بها، بل سلكوا وراء عناد قلوبهم ووراء البعليم التي علمهم إياها آباؤهم، لذلك هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل: ها أنذا أطعم هذا الشعب أفنستينا، وأسقهم ماء العلقم، وأبددهم في أمم لم يعرفوها هم ولا آباؤهم، واطلق وراءهم السيف حتى أفنيهم» (آرميا 12 / 13).
وهذا نبيهم أشعياء يدعو الله عليهم أن يعمي قلوبهم عن الحق، ويثقل آذانهم، ويغمض عيونهم عنه، «أعم قلب هذا الشعب، وثقل آذانه، وغمض عيونه، لئلا يبصر بعينه ولا يسمع بأذنه، ولا يفهم بقلبه، ويتوب فأشفيه» (أشعياء 6/ 8 ـ 11).
«فقلت آه يا سيد، الرب حقا أنك خداعا خادعت هذا الشعب وأورشليم، قائل: يكون لكم سلام، وقد بلغ السيف النفس» (أرميا 4 /10).
وقد جاء في كتابهم ما يشير إلى ذلك من كلام موسى عليه السلام لهم: «احفظوا وصايا الرب إلهكم، وشهاداته، وفرائضه التي أوصاكم بها، واعمل الصالح في عيني الرب لكي يكون لك خير، وتدخل وتملك الأرض الجيدة التي حلف الرب لآبائك» (الإصحاح 6 العدد 16 ـ 17).
لهذا يجب أن يعلم أن تفضيل بني إسرائيل كان مرده التمسك بعهد الله.. ولكن كعادة بني إسرائيل لم يكن ثمة وقت طويل حتى انقلبوا على أعقابهم، ولم تتحمل طبائعهم الصبر على أوامر الله، فكان منهم الإخلال بشروط موعود الله.
وفي كتابهم ما يؤكد ذلك من قول إلههم لهم: «أشهد عليكم اليوم أنكم تبيدون لأجل أنكم لم تسمعوا لقول الرب إلهكم» (الإصحاح 8 العدد 17 - 20).
وجاء في (سفر الملوك الثاني 17: 11 - 20) «وبهذا أيضا لم يحفظوا وصايا الرب إلههم بل سلكوا في فرائض إسرائيل التي عملوها، فرذل الرب كل نسل بني إسرائيل وأذلهم ودفعهم ليد ناهبين حتى طرحهم من أمامه».
فتتبعهم الله سبحانه وتعالى بالمقاتلة والحرب عليهم أينما كانوا قال تعالى: {قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (التوبة:30).
فأغضبوا الله لأنهم لم يلتزموا أوامره، فألزمهم ذلة في نفوسهم لا تنتزع منهم أبدا، وألزمهم المسكنة قدرا وشرعا.
قال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} (آل عمران:١١٢)٠
وأخيرا نقول: على اليهود ومن والاهم أن يدركوا جيدا أن فلسطين لا تكون لهم إلا بشرط الإيمان بالله جل جلاله، وبجميع أنبيائه والقرآن المنزل على خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، حينها يتحقق موعود الله لهم باستخلافهم الأرض المقدسة إن كانوا حقا مؤمنين مسلمين له، عندها يتحقق وعد الله لهم، أو لغيرهم حيث قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55)، فلسطين وعد الله وعهده لا يناله الظالمون، مشروط بالإيمان، جائزتهم في الدنيا الفوز بجدارة وبشهادة الله، بالأرض المقدسة، وهم يحملون معهم صك شرعي من الله .
وعلى اليهود ألا يغتروا بحقبة سيطروا فيها على فلسطين، فإن الأمر لن يطول لأنه بعدها ستكون للمسلمين مع اليهود صولات وجولات.
لابد وأن يدرك اليهود أنهم أوقعوا أنفسهم بالفخ الكبير، وأن خروجهم من فلسطين سيكون بمثابة ولادة عسيرة عليهم وستكلفهم الكثير.
بريق كاذب، وهو مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبى زور » (رواه مسلم)، نعم إن دولة ما يسمى «إسرائيل» هو ثوب زور، أخذ أكبر من حجمه، وهو انتفاشة هر يحكي صولة الأسد، وأخيرا هل عرف العالم مستوى اليهود في موافقه الصهاينة، ومن وراءهم في احتلال فلسطين، ومحاولاتهم الحثيثة في تغيير تاريخها، وتراثها، وعقيدتها، وهي المحاولات التي سيكتب لها الفشل، وأن على اليهود، وعلى الفور العودة هم وأهليهم من حيث أتوا قبل فوات الأوان .
وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،
(نقلاً عن مجلة "بيت المقدس للدرسات التوثيقية" العدد 11 لعام 2011 ـ 1432)
ــــــــــــ
إقرأ أيضاً
الجزء الأول الجزء الثاني الجزء الثالث الجزء الرابع الجزء الخامس الجزء السادس الجزء السابع الجزء الثامن الجزء التاسع