جهاد العايش
دولة اليهود كيان متآكل لا يقوى على البقاء، هذه حقيقة جلية، وليست غائبة إلا على من لا ينظر إلى الأمور إلا من ركن واحد، هي ليست دولة واعدة، ولا حاضرة منسجمة، ولا حضارة ضاربة جذورها في عمق التاريخ، وليس لها شيء من عبقه، هي لقيط مجهول النسب، لها بريق كاذب لمن انخدع بها ممن ينسبون لها زورا وبهتانا، أو ممن يلهثون وراءها ويظنون أن فيها المنجى و الملجأ وإليها المرتجى!!
جاء كثير من اليهود إلى فلسطين، وهم على وجل يقدمون خطوة ويؤخرون خطوات، فرح مشوب بالخوف يسوده ترقب من المجهول إلى دولة تم صناعة الولاء لها صنعا، لم يربطهم بها أي رابط من تاريخ أو نسب أو لغة أو دين، وما أدل على ذلك الهجرة العكسية لهم من فلسطين إلى أوطانهم، لأقل الأسباب والتخوفات الأمنية، ليتركوا وراءهم جنات دنيوية صنعها لهم ساستهم، وبذلوا لأجلها كل غال ونفيس، ومهما أعد ساسة يهود ليهود، فإنهم سيكونون أمام حقائق لا يمكن تجاوزها، أو الحيدة عنها مهما وظفوا لها كل الأسباب المادية، أو المعنوية، لتخفي وراءها غباء يهود وساستهم في اختيار فلسطين وطنا قوميا لهم، وإليكم عشرة منها:
1 ـ وظيفية الشعب والدولة اليهودية: يرى الغرب في اليهود أنهم نفايات بشرية سامة، تسمم الفكر والأخلاق، يجب التخلص منهم وفي وقت مبكر، بعد أن أدرك بعض ساسة الغرب ومفكريهم وبمكر شديد كيف لهم أن يتخلصوا من الفيروس البشري اليهودي؛ لقد تعاملت كل الأمم التي ابتليت بوجود اليهود بين ظهرانيها على أنهم وسيلة لا غاية يمكن ركوبها لتحقيق أهدافها المرحلية أو الاستراتيجية ففي عصور ما قبل الميلاد استعملهم الرومان والفرس وسائل جيدة للدفاع عن حاميتهم في فلسطين وفي القرون المتأخرة وإبان سقوط الدولة العثمانية والذي ينظر له الغرب على أنه الجزء الأوروبي الأخير الذي بقي فيه الإسلام تزامن مع سقوط هذه الامبراطورية تذليل صعوبات هجرة اليهود إلى فلسطين وبخدمات أوروبية منقطعة النظير والسبب في ذلك أن أوروبا تملك فائضا بشريا يهوديا يجب التخلص منه بأسرع وقت وبأقل التكاليف، هذا من جانب ومن جانب آخر تكون قد نجحت بوطئ أقدام أوروبا من جديد في المشرق الإسلامي بأفضل وسيلة وهم اليهود الذين سيكونون مصدر تأزيم مستمر في المنطقة يستنزف أموال وجهود وأرواح المسلمين.
لقد ارتضى اليهود في فلسطين أن يكونوا جيشا مأجورا لصالح الغرب فكانت دولتهم الأعلى نسبة من بين جيوش العالم بالنسبة إلى عدد السكان لتصل إلى 11%.
نعم تكفل الغرب بنفقات مالية باهظة لأجل اليهود وكل ذلك ليتحقق لهم الخلاص من اليهود، بطريقة يسعد بها اليهود ويظنون أن بها خلاصهم.
لقد ضاقت بهم روسيا وبولندا وغيرهما، فأصبحتا من أكثر المناطق استيعابا لليهود، مما حدا بهم إلى هجرات متتالية إلى دول أوروبية أخرى، أدركت بعد برهة من الزمن أن الوافد الجديد إليهم ليس مما يطاق من البشر، وقبل فوات الأوان أعلن ذلك وبكل وضوح وجرأة «مارتن لوثر» مؤسس البروتستانتية الذي ضخ الروح الجديدة لخدمة اليهود لكنه أعلنها وبعد فوات الأوان فقال: «هذه نصيحتي بإيجاز إلى أمرائنا الحكام الكرام وسادتنا الأجلة والصفوة المرادة، هي أن نتخلص جميعا من عبء اليهود الشيطاني المتغطرس المتحكم» (كتاب كذب اليهود، مارتن لوثر ص 133).
وبمكر شديد سعى الغرب إلى إعادة تصدير اليهود، وما يحملون معهم من وباء وانحطاط في الأخلاق، إلى المشرق الإسلامي وتحديدا إلى فلسطين، تلك الوجهة، والقبلة التي توافق عليها كلا الطرفين، فبدا قادة الصهيونية وبكل حماس في «الترانسفير» الطوعي لقطعان اليهود، دون أن يدركوا أبعاد هذا القرار التاريخي الاستراتيجي الجريء والخطير، وترانسفير غير طوعي ليهود آخرين جاؤوا مرغمين، لا يعنينا كثيرا في هذا المقام عن طرق وكيفية إرغامهم، لكن دون أن يدرك اليهود مع ما فيهم من مكر أن ما حيك لهم من الغرب وقيادتهم الصهيونية التي كانت كل منطلقاتها مبنية على الحقد والكراهية، وغاياتها التي بررت كل وسيلة.
حتى الصهيونية التي تغنوا بها كانت مرحلة زمنية وليس عقيدة راسخة في قلوب أصحابها وعبر عن حالهم بن غوريون - أول رئيس لحكومة اليهود - فقال: «إن الحركة الصهيونية كانت دعائم لإقامة البيت القومي، وأنه بعد إقامة الدولة، يجب فكها».
نعم هو مقلب وورطة وأزمة تاريخية لن تنفك عن اليهود ما بقوا في فلسطين، وفخ وقعوا فيه ولن يخرجوا منه بسلام، ففلسطين المحاطة بعمقها التاريخي الإسلامي والعربي، بالنسبة لليهود فخ فامتداد فلسطين الديموغرافي مع من حولها من دول تحيط بهم يطلق عليها دول الطوق وغيرها عرفت بأصالتها العربية، وأصوليتها الإسلامية منذ فجر تاريخ البشرية والإسلام، لقد أتى اليهود على أمة كانت في لحظة غفلة من أمرها، ولم يدركوا أن هذه الأمة ليس كل أمرها غفلة.
نعم لقد نجحوا في جعل اليهود ودولتهم جماعة وظيفية، أو بمفهوم عالم المقاولات والتجارة «مقاول في الباطن»، يحقق للغرب أهدافه الاستعمارية بأقل التكاليف المادية والبشرية والاعتبارية، ويكونوا نيابة عنهم رأس حربة وفوهة مدفع يقاتلوا ويحققوا الأهداف القريبة والبعيدة وكل ذلك مقابل تأمين الحماية والدعم المادي الامحدود لدولة اليهود.
(نقلاً عن مجلة "بيت المقدس للدرسات التوثيقية" العدد 11 لعام 2011م ـ 1432هـ)