• لبنان
  • الاثنين, كانون الأول 29, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 3:20:26 م
inner-page-banner
من صفحات التاريخ

مكالمة الموت... كيف أنهى انفجار هاتف حياة محمود الهمشري؟

بوابة صيدا

كانت تلك المكالمة الهاتفية الروتينية التي تسبق موعدًا صحفيًا مُزعومًا هي الفخ الذي نُصب له. في شقته الباريسية الهادئة، رفع الدبلوماسي الفلسطيني محمود الهمشري سماعة هاتفه في الثامن من ديسمبر 1972م (3 ذو القعدة 1392هـ) ليُؤكد وجوده في مكتبه، دون أن يدري أنها ستكون آخر كلمات ينطق بها. فقبل أن تهدأ أصداء السؤال، وبلمسة زر من بعيد، انقلب عالمه رأسًا على عقب.

لم تكن سماعة الهاتف أداة اتصال في تلك اللحظة، بل تحولت إلى أداة موت. انفجار مدوّ مزق جسده، لتحيل شقته إلى مسرح لجريمة دبرها أحد أكثر أجهزة الاستخبارات جرأةً ووحشةً.

لم يكن الهمشري مقاتلاً يحمل بندقية، بل كان "رجل الكلمة"، صوت فلسطين في أوروبا، فكان مصيره أن يكون الحلقة الأولى في سلسلة اغتيالات طويلة، كانت إجابة إسرائيل الدموية على أحداث ميونخ.

هذه هي قصة الاغتيال الذي أعاد تعريف أساليب الحرب الخفية، وتحولت فيه أبسط أدوات الحياة اليومية إلى وسيلة للموت. قصة تروي كيف أن إنهاء حياة رجل لم يكن سلاحه سوى قلمه وصوته، لم يتطلب أكثر من... "مكالمة موت".

وُلد محمود الهمشري في قرية «أم خالد» بقضاء طولكرم عام 1938، وفيها أتم دراسته الابتدائية والثانوية. انتقل إلى الكويت والجزائر حيث عمل في سلك التعليم، والتحق بحركة فتح في‏ لحظات‏ تأسيسها‏ الأولى عام 1967.

أوكلت إليه مهمة‏ العودة للأرض المحتلة‏ ليعمل‏ في‏ تأسيس‏ الخلايا‏ الفدائية عام 1968، وعين معتمدا لحركة فتح وممثلاً لمنظمة تحرير فلسطين في باريس.

نجح الهمشري في إقامة علاقات واسعة مع ممثلي الرأي العام الفرنسي و استمالة كثير من النخب لصالح القضية الفلسطينية، و كان بذلك مكملاً لدور زميله وائل زعيتر في روما.

اتهمته الصحافة الإسرائيلية بلعب دور في عملية ميونخ؛ وحين عجز الموساد عن توجيه ضربات حقيقية وجوهرية لمخططي ومنفذي العمليات الخارجية ضد أهداف صهيونية، قررت إسرائيل أن تضرب أهدافا سهلة، ضد سياسيين، أو ممثلين، أو شخصيات بارزة في المجال الإعلامي كرد اعتبار للكيان الصهيوني، ورفع الروح المعنوية لليهود والصهاينة.

كان الهمشري هدفاً سهلاً للموساد الصهيوني بحكم عمله السياسي و الدبلوماسي، ولم يحمِه وجوده الدبلوماسي في فرنسا من قبضة الموساد.

استخدم الموساد حيلة بسيطة للإيقاع به، فقبل الاغتيال اتصل به شخص منتحلاً صفة صحافي إيطالي، طالباً إجراء مقابلة معه، وتم تحديد مكان اللقاء في مكتب المنظمة في باريس، وفي هذه الأثناء، التي ضمن فيها الموساد غياب الهمشري عن المنزل، تسلّل عملاؤه إليه، و وضعوا قنبلة متفجرة يُتحكم فيها عن بعد تحت الأرضية الخشبية وفي نقطة تقع أسفل طاولة الهاتف.  

في الساعة التاسعة صباحاً من يوم 8 كانون الأول / ديسمبر 1972 (3 ذو القعدة 1392هـ) رن جرس الهاتف، والتقط الهمشري السماعة فانفجرت الشحنة وأصابته بجروح بليغة في الفخذ. نقل إلى مستشفى كوشن في باريس حيث مات متأثراً بجروحه بعد شهر (في 10 كانون الثاني / يناير 1973م / 6 ذو الحجة 1392هـ) من الحادث .

لم يكتف العدو الصهيوني بتصفية «الهمشري»، بل راح يكرس بمقتله ويرسخ لفكرة أن «الفلسطيني إرهابي»، مستغلا الصحافة الفرنسية التي راحت معظمها تتداول رواية أن «الهمشري» أصيب بالإصابة التي أودت بحياته أثناء تحضيره شحنة ناسفة في بيته.

ورغم اعتراف الرئيس «جورج بومبيدو» بعد 10 أيام من الجريمة في لقاء مع الكاتب والصحفي الفرنسي فيليب دوسانت روبير، بقناعته بأن الموساد هو المسؤول عن الجريمة كما كشفه الكاتب في كتابه «سبتمبر الدائم» الذي نشره عام 1977، فإن البوليس الفرنسي لم يبدِ أدنى اهتمام بالأمر ولم يسع إلى التحقق من صحة تلك المؤشرات.

فقاضي التحقيق مثلاً لم يكلف نفسه عناء لقاء «الهمشري» خلال الشهر الذي قضاه في المستشفى قبل وفاته، رغم حالة المصاب التي سمحت له باستقبال العديد من أصدقائه ومحبيه ومعارفه.

ورفضت دولة الاحتلال دفنه في مسقط رأسه «طولكرم»، ورفض إمام جامع باريس «حمزة بو بكر» فتح باب الجامع أمام الجموع التي احتشدت لتأبينه، مما أدى إلى صدامات عنيفة مع الشرطة الفرنسية التي اعتقلت على إثرها العشرات من المُشيعين.

وفي النهاية، أقيمت صلاة الجنازة عليه، ودفن في مقبرة «بير لا شيز»، بحضور حشد هائل من الجمهور ومن الأصدقاء والمتضامنين معه ومع قضية وطنه.

التبعات والتداعيات

* مثل اغتيال الهمشري بداية سلسلة اغتيالات طويلة شنتها إسرائيل ضد القادة الفلسطينيين في أوروبا والعالم.

* أكدت العملية على سياسة الاغتيال الإسرائيلية كاستراتيجية أمنية رسمية.

* أثارت هذه العمليات جدلاً دولياً حول انتهاك سيادة الدول واستخدام العنف خارج ساحات القتال التقليدية.

* حولت الهمشري من دبلوماسي إلى "شهيد" في نظر الحركة الوطنية الفلسطينية، ورمزاً للملاحقة الإسرائيلية لقادة ومنظمي العمل الفلسطيني أينما وجدوا.

 

ــــــــــــ

إقرأ أيضاً

الدوايمة... الجمعة التي صلّت بالدم.. ونامت على المجزرة

مذبحة دير ياسين.. 360 شهيداً.. والتمثيل بجثثهم

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة