إنه اليوم الأسود الذي ظل وسيظل محفوراً في ذاكرة المسلمين إنه يوم أن ضاعت الكرامة، يوم أن غرس هذا الخنجر المسموم في قلب أمتنا، إنه يوم أن التفت تلكم الأفعى الخبيثة حول أعناقنا كالقيد الجهنمي الذي لا نكال منه إلا بالعودة لإسلامنا وديننا مصدر عزتنا وقوتنا، إنه يوم أن اغتصبت فلسطين ومقدساتنا بقرار رسمي دولي صدقت عليه عصابة الأمم المتحدة على المسلمين وسط صمت وخزي الدول الإسلامية جميعاً، ولأن هذا اليوم الأسود الطويل ما زال ليله وظلامه جاثماً على صدورنا وقلوبنا فوجب بيانه وتاريخه لنرى كيف وقع هذا اليوم لأنه لم يكن وليد لحظات أو في فلتة من الزمان، إنما هو تخطيط ودراسة وعمل لسنوات طويلة حتى وصلوا إلى هذا اليوم، ورغم تقاعس القلم عن الكتابة وجفاف البيان عن العرض لشؤم هذا اليوم وذكراه الأليمة .
وربما يتعجب البعض عندما يعرفوا أن هذا اليوم قد تم التخطيط له بصورة مدروسة قبل ذلك بمئات السنين، ولقد كانت هناك محاولات لتجميع اليهود في فلسطين عبر السنين منها:
1- محاولة دافيد روبيني في القرن السادس عشر الميلادي لتجميع زعماء اليهود لبث الدعوة لغزو اليهود لفلسطين وتأسيس دولة يهودية في أراضيها.
2- دعوة نابليون بونابرت أثناء حصاره لمدينة عكا سنة 1214 هـ - 1799م لتجميع اليهود عندما أصدر بياناً ليهود العالم مطلقاً عليهم اسم 'الورثة الشرعيين لفلسطين'.
3- محاولة حاييم مونتفيور وهو سمسار إيطالي لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وذلك بإقناع محمد علي ببيع فلسطين لليهود، ولقد استطاع هذا السمسار أن يحصل من لورد 'بالزمستون' وزير المستعمرات البريطانية على وعد بأن يعتبر القناصل الإنجليز في الشرق أنفسهم حماة اليهود في الأقطار التركية واستطاع هذا اللعين أن يحصل على إذن باستغلال مساحة كبيرة من الأراضي الفلسطينية لخمسة وأربعين أسرة يهودية.
4- محاولة الحاخام كاليشار لتجميع اليهود في كتابه الشهير 'البحث عن صهيون' ونفس الشيء بالنسبة لموسى هنيس اليهودي الألماني في كتابه 'روما والقدس' وهذا الرجل هو أول من نادى بفكرة المستوطنات اليهودية.
5- محاولات اليهودي النمساوي ' تيودور هرتزل' شراء فلسطين من السلطان عبد الحميد الثاني ولكنه يرفض رغم حاجة الدولة العثمانية وقتها للمال وألف هرتزل كتابه الشهير الذي يعد من الكتب المقدسة عندهم ولما فشلت محاولاتهم مع السلطان عبد الحميد قرر اليهود الاتجاه لأوروبا لمساعدتهم في سعيهم لاغتصاب فلسطين.
6- لم ييأس اليهود وقرروا عقد مؤتمراً عالمياً في مدينة 'بال' بسويسرا في 29 أغسطس / آب 1897م لوضع الحجر الأساسي للمأوى الذي سيقيم فيه اليهود وقال هرتزل كلمته الشهيرة التي تدل بحق على حقيقة الصراع وطبيعته حيث قال 'الصهيونية هي عودة اليهود لليهودية حتى قبل عودتهم إلى الأرض اليهودية' وهذا يعني أنه لابد من صبغ الاتجاه لاغتصاب أرض فلسطين بالصبغة العقدية اليهودية والمهم أن هذا المؤتمر وضع جدولاً زمنياً لانشاء دولة اسرائيل الكبرى 'من النيل إلى الفرات' خلال مائة سنة على مرحلتين: المرحلة الأولى بعد خمسين سنة يتم إعلان قيام دولة إسرائيل وبعد الخمسين الأخرى إعلان الدولة الكبرى 'من النيل إلى الفرات'.
منذ ذلك اليوم واليهود يعملون بصورة مدروسة ومخططة لإعلان قيام دولة إسرائيل ووجدوا أن أمامهم عقبة كؤود وهي الدولة العثمانية حامية الأمم الإسلامية ومنها فلسطين، لذلك قرر اليهود بالتعاون مع أوروبا على إسقاط الخلافة وتمزيق العالم العربي لتسهيل غرس الكيان اليهودي، وحشد اليهود أوروبا والشعوب الغير يهودية في مؤتمر تأييد لليهود وذلك سنة 1907م وبدأت خطوات المخطط تؤتي ثمارها وهي كالأتي:
1- إسقاط السلطان عبد الحميد الثاني وذلك سنة 1909 / 1327هـ.
2- إستيلاء تنظيم الاتحاد والترقي على مقاليد الحكم في تركيا.
3- خداع الشريف حسين أمير مكة حتى يعلن الثورة العربية الكبرى والتمرد على العثمانيين لتمزيق الصف المسلم وذلك سنة 1916م – 1335هـ .
4- معاهدة سايكس بيكو سنة 1335هـ - 1916م لاقتسام تركة الرجل المريض 'الدولة العثمانية'.
5- وعد بلفور بانشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وذلك سنة 1917م – 1336هـ.
سار المخطط بصورة متوازنة وفجأة أعلنت بريطانيا إحتلالها الكامل لفلسطين تحت اسم مستعار هو الانتداب البريطاني لفلسطين وذلك سنة 1918م – 1337هـ وذلك لتسهيل تنفيذ وعد بلفور وقد وافقت عصابة الأمم الظالمة على قرار الانتداب سنة 1922م – 1341هـ وهذه الموافقة مثلت قمة النجاح للحركة الصهيونية في هذا العقد من الزمان.
هب الشعب المسلم في فلسطين عن بكرة أبيه للتصدي للمؤامرة اليهودية العالمية الشرسة التي يقوم بتنفيذها الإنجليز المجرمون، وأعلن الفسلطينيون قيام انتفاضتهم التي بدأت أولاً على صورة مؤتمرات ولجان ومفاوضات ثم تحولت للكفاح المسلح عندما اكتشفوا أن الإنجليز يسلحون عصابات اليهود بأحدث الأسلحة وكانت نقطة انطلاق الكفاح المسلح والشرارة التي أشعلتها هي قيام أحفاد القردة والخنازير برفع العلم اليهودي على حائط البراق وذلك سنة 1928م – 1347هـ معلنين تحويله إلى حائط المبكى المعروف الآن.
قمع الإنجليز الانتفاضة بشدة حتى أنه قتل وجرح 338 مسلم خلال أسبوعين، والدول الإسلامية تعقد مؤتمراً في القدس سنة 1931م – 1350هـ لدعم الفلسطينيين ولكن الإنجليز أصحاب النفوذ الكبير في الدول الإسلامية تحجم دور هذه الدول، لذلك يستأنف الفلسطينيون انتفاضتهم ضد اليهود والإنجليز سنة 1933م – 1352هـ وظهرت شخصيات مؤثرة وجهادية قوية أمثال الشيخ عز الدين القسام والشيخ موسى كاظم الحسيني أشعلت الحماس والجهاد في قلوب المسلمين خاصة أن كلاهما قد استشهدا في الانتفاضة الجهادية وأصبح الشعب الفلسطيني يقاتل اليهود والإنجليز بكل فئاته، وعندها قامت بريطانيا تستنجد بالملوك والأمراء العرب لإجهاض الانتفاضة الفلسطينية الكبرى وذلك عن طريق الإحتيال والمماطلة والمفاوضات واللجان الرئيسية والفرعية والجزئية وهكذا دوائر وحلقات مفرغة من أجل القضاء على الانتفاضة ولكن الفلسطينيون يكشفون زيف هذه المحاولات الشيطانية لإجهاض انتفاضتهم ويستأنفون الانتفاضة من سنة 1939م – 1359هـ بصورة قوية وشاملة وعارمة.
يدخل حلبة الصراع حليف جديد قوي وفتي في نفس الوقت لصالح أحفاد القردة والخنازير وهو الحليف الأمريكي الذي يضع يده في يد الإنجليز لإكمال مسيرة تهويد فلسطين وذلك في عهد الرئيس الأمريكي 'ترومان' - والملاحظ أن هذا الرجل أصله يهودي رغم أنه مسيحي الديانة- ذلك لأن الصهيونية العالمية لم تكن واثقة تماماً من قدرة الإنجليز على تنفيذ مخططاتهم لبدء أفول شمس قوتهم ودولتهم الاستعمارية، وسهلت أمريكا طريق هجرة اليهود بأعداد ضخمة لفلسطين، والشعوب العربية تستيقظ على هول المؤامرة وتضغط على الأنظمة الحاكمة من أجل نصرة فلسطين والأنظمة الحاكمة تكتفي بإصدار بيان أجوف وقابل ذلك ضغط يهودي داخل أمريكا وبريطانيا لتسريع عملية التهويد وتم إصدار قرار أمريكي بتهجير مائة ألف يهودي فورا إلى فلسطين.
عصابة الأمم المتحدة تدخل حكماً ظالماً في القضية حيث توضع المسألة الفلسطينية أمام المنظمة الدولية سنة 1947م – 1366هـ والمنظمة تقترح تقسيم فلسطين بين المسلمين واليهود والأمم الإسلامية ترفض هذا المشروع وأمريكا تشتري أصوات ثلاث دول تافهة هامشية من أجل كسب أغلبية الأصوات للقرار وهي أصوات 'هايتي – ليبيريا – سيام' وبالفعل يصدر قرار المنظمة الظالمة في نوفمبر 1947م – 1366هـ بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود والدول العربية والإسلامية تحاول التصرف بعنترية فارغة وتنشأ معسكرات في سوريا ومصر لتدريب المجاهدين الفلسطينيين وإنجلترا تضغط على الدول العربية لإغلاق المعسكرات وبالفعل تغلق المعسكرات.
الإنتفاضة الفلسطينية تشتعل من جديد بعد صدور قرار التقسيم ويخوض المجاهدون ضد اليهود معارك كبيرة مثل معركة الصبيح وجبل ظهر الحجة وكفر كنا والدهيشة وغيرها من المعارك التي كبدت اليهود خسائر كبيرة مما أدى للإنجليز بتسليح اليهود بأحدث الأسلحة ويساعدوهم في إحتلال يافا وحيفا ويشتعل الصراع في فلسطين بقوة.
وفجأة بدون سابق إنذار تعلن بريطانيا إنسحابها من فلسطين وإلغاء الانتداب عليها وتسلم زمام الأمور لليهود تمهيداً وإعلاناً لقيام الدولة اليهودية في 7 رجب سنة 1367هـ ولا يكتفي الإنجليز الملاعين بذلك بل يستدرجون العرب والمسلمين لمعركة وحرب وهم غير مستعدين لها لتكون الهزيمة والطامة التي حطت على فلسطين والمسلمين أجمعين.
(المصدر: مفكرة الإسلام)