سامر زريق ـ نداء الوطن
يحاول "حزب الله" عبر أمينه العام وقياداته ومنظريه توظيف تصريحات الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك حول ضمّ لبنان أو أجزاء منه إلى سوريا، وخصوصًا شماله وطرابلس، لإعادة إنتاج سردية تروم بعث الخوف والقلق على استمرارية الكيان، وخلق مبرر منطقي، أخلاقي وسياسي، يعيد من خلاله تدوير وترويج الأساس الذي بنى عليه نفوذه ومنظومة تحالفاته المحلية المتهاوية.
بمعزل عن النقاش حول مدى جدية تصريحات برّاك أو المبالغة فيها، فإن تركيز "الحزب" عليها لا ينبع من فراغ، بل من معطيات تراكمت لديه من خلال حراك الموفدين الخارجيين والرسائل المتبادلة مع طهران، وكان المستهدف الأساسي فيها. يعلم "الحزب"، كما أشرنا سابقًا، أن ثمة قرارًا أميركيًا كبيرًا بإنهاء سلاحه ومعه النفوذ الإيراني في المنطقة، وأن السبب هو وجود مشروع ضخم برعاية واشنطن، يشمل سوريا ولبنان وإسرائيل، وهو المعني بالحديث عن السلام الاقتصادي، بوادره الأولى "منطقة ترامب الاقتصادية".
كما يعلم "الحزب"، ومن خلفه إيران، أن هذا القرار لا إمكانية لإدخاله في بازار المساومات، وأن هامش المناورة محدود للغاية للقبول بالاندماج بهيكل السلطة الجديد والتوازنات المُعاد ترسيمها. وفي حال الرفض، والإصرار على التعنت والانفصال عن الواقع المتشكل، وفي ظل بطء تقدم مسار الدولة، فإن ثمة ورقة مطروحة من قبل بعض الأطراف المعنية ومراكز الأبحاث المؤثرة في صياغة الرؤى والاستراتيجيات، تشير إلى ضرورة إجراء جراحة تجميلية لخريطة المنطقة من أجل إزالة العوائق أمام المشروع إيّاه.
وفق مصادر سياسية مطلعة، فإن هذه الورقة ترتكز على فصل جنوب لبنان، أو "جبل عامل" بمسمّاه التاريخي، وجمعه بالمنطقة الناشئة جنوب سوريا، لتكون مدًى حيويًا خاضعًا لقرار إسرائيل، وإن بشكل غير مباشر، بما يخدم استراتيجيتها الأمنية المُحدثة بعد التحوّلات التي قاد إليها "طوفان الأقصى".
علاوة على أن هذه المنطقة هي محلّ تفاوض بين تل أبيب ودمشق، بموازاة التنسيق بين الأطراف الفاعلة في سوريا، فإن السؤال المركزي المطروح في هذه الحالة: كيف سيتعامل "حزب الله" مع هذا الطرح؟ هل يقبل بأن يصبح خاضعًا للقرار الإسرائيلي بشقيه السياسي والأمني؟
تبيّن المصادر السياسية بأن "الحزب" يعرف، كما الرئيس نبيه بري، أن تطبيق هذا السيناريو سيمرّ عبر سياسات صعبة تبلغ حدّ التهجير و"الترانسفير" الديموغرافي لتفريغ جغرافيا معينة تتماهى مع الاستراتيجيات الأمنية الإسرائيلية، ولتخفيف الأكثرية الشيعية في المنطقة وتأثيرها على القرار. ناهيكم عن أفكار أخرى مثل استقطاب شرائح علوية، حيث جرى حثهم في ما مضى على شدّ الرحال نحو الجنوب عبر أساليب ناعمة وملتوية، فضلًا عن ترحيل مجموعات شيعية شديدة التطرّف إلى العراق، وسواها من أفكار يتمّ التداول بها في الأروقة السياسية همسًا.
في المقابل تطرح الورقة ضم طرابلس والشمال إلى سوريا، لترك كل الديناميات السنية تتفاعل تحت عباءة الرئيس السوري أحمد الشرع، حيث تشكل قنوات التنسيق العربية والإسلامية والدولية مع الأخير ضمانة تسهّل ضبط الساحة السنية وإدارتها، والتمهيد لإدماجها ضمن المشروع الجديد بسلاسة.
حسب المصادر، فإن السيناريو المشار إليه لا تزال فرص تطبيقه ضئيلة وصعبة، لكنه ورقة ضغط تستخدم على الطاولة، وقد يصار إلى إنفاذها إذا ما وصلت الأمور إلى حائط مسدود على طريقة "آخر الدواء الكيّ". فالدول حين تتخذ القرار بتنفيذ مشاريع جيو - سياسية وجيو - اقتصادية ضخمة، تصوغ استراتيجيات تضع لها مواقيت معينة، مع مسارات موازية وبديلة في حال تعثر الأساسية.
ومع ذلك، فإن الإشكالية الكبرى في ما سبق تكمن في كيفية تعامل "الحزب"، وتاليًا إيران، من ناحية الاستمرار في النهج الكلاسيكي القائم على تمييع الوقت، واللعب على التناقضات، وتوظيف المصالح الحيوية للابتزاز السياسي. ذلك أن صناع القرار الإيراني، على كثرتهم وتناقضهم، وخصوصًا الحرس الثوري، يجدون أن هناك استحالة في اعتماد السيناريو المذكور، وأنه لا يعدو كونه مجرد أداة ضغط.
ويعتبرون أن المشروع الاقتصادي العابر للكيانات الوطنية يشكلّ بحدّ ذاته نافذة يمكن العبور منها لتحصيل بعض التنازلات الأميركية في ما يخصّ وضعية "الحزب" داخل البنية السياسية وتوازناتها الجديدة، حيث تتوكّأ طهران في هذا الصدد بشكل أساسي على تحالف إقليمي ناشئ سيكون موضوعنا في المرات المقبلة، للتعامل مع أدوات الضغط الأميركي، بالإضافة إلى التوجه الاستراتيجي لبعض القوى الخليجية والإسلامية بعدم ترك المنطقة "سداح مداح" لنتنياهو يحكم فيها بأحكامه.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..