بقلم حسان القطب ـ مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات ـ بوابة صيدا
حرب طوفان الاقصى، واختراقها للعمق الاسرائيلي، وتهديدها لدور هذا الكيان في منطقة الشرق الاوسط، من ضابط ايقاع قادر على التلاعب بالاستقرار في المنطقة، الى كيان بحاجة الى دعم وحماية مطلقة من الولايات المتحدة الاميركية بشكل مباشر، عسكرياً ومالياً.. وسياسياً وحتى قضائياً كما لاحظنا من العقوبات الاميركية على المحكمة الجنائية الدولية..
الخطة الاسرائيلية التي تم اعتمادها طوال عقود بموافقة غربية، والتي تقوم على تعزيز سلطة وحكم الاقليات في دول منطقة الشرق الاوسط، اثبتت فشلها، اذ تحولت دول المنطقة وشعوبها الى بؤر متفجرة نتيجة ما تعرضت له الاكثرية من الظلم والاضطهاد والتسلط، والدفع الى الهجرة والتهجير، باتجاه اوروبا والولايات المتحدة الاميركية وغيرها من الدول الاخرى..
اعتبرت اوروبا بشكلٍ خاص، انها تتعرض لحالة غزو بشري من قبل اللاجئين، مما يعرض الدول الاوروبية الى تغيير ثقافي واجتماعي وحتى سياسي ان لم نقل ديني ايضاً.. وتبوأ بعض المهاجرين او اللاجئين مواقع مسؤولة في كثير من الدول، واخرها ما شاهدناه من وصول سياسيين من اصول عربية واسلامية الى مواقع وزارية او حكام ولايات كما في نيويورك الاميركية او حتى رؤوساء وزراء كما شاهدنا في اسكوتلندا..
اذا وبعد دراسة معمقة، ومتابعة دقيقة لواقع دول وشعوب المنطقة، تبين لجميع هذه الدول ان الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط يتطلب امرين:
حل عادل ونهائي وطويل الامد للقضية الفلسطينية.. وهذا ما اطلقته المملكة العربية السعودية بالتعاون مع فرنسا.. ونال تأييد غير مسبوق من دول العالم ولاول مرة..
التخلي عن التشجيع على حكم الاقليات في دول المنطقة خلافاً للنظرية الصهيونية، صحيح ان امن اسرائيل اولوية دولية بالنسبة للعالم الغربي، ولكن استقرار اوروبا ووقف الهجرة غير المنظمة واستقرار الدول الاوروبية ثقافياً واقتصادياً وحتى سياسياً امر اساسي ايضا لا يمكن تجاهله..
اسرائيل لم توافق حتى الان وبشكل صريح على الحل الاول كما الثاني، لذا لا زال نظام الكيان يطلق شعارات وعبارات متباينة او على الاقل غامضة بخصوص هذا الحل، ومنذ ايام نتنياهو وبعد ان كان قد رفض حل الدولة الفلسطينية، اكد انه يوافق على دولة فلسطينية اذا التزمت قيام دولة تقارب شكل النظام السياسي في السويد..؟؟
كما ان موضع دعم تفتت دول المنطقة الى كيانات طائفية ودينية وعرقية، لا زال يدغدغ واضعي الاستراتيجية الاسرائيلية، الا ان اسرائيل تدرك انها غير قادرة بعد اليوم على فرض شروطها على العالم الغربي، وليس العربي، الذي سيبقى رافضا ومواجهاً لهذه السياسات..
في نفس الوقت يبدو ان بعض الاقليات في عالمنا هذا وخاصة في سوريا، لا زالت تراهن على تبني الغرب بوصاية اسرائيلية على التفتيت والتقسيم، وهذا ما اصاب دروز سوريا رغم الموقف المتقدم والرافض الذي اطلقه الزعيم وليد جنبلاط، وشيخ عقل الطائفة الدرزية في لبنان سماحة الشيخ سامي ابو المنى، وبالامس طائفة العلويين في شمال سوريا، اطلقت بعض العناوين المشابهة، ظناً منها باستمرار هذا المشروع، وهي التي تجاهلت تماماً ما قام نظامها المخلوع من اجرام غير مسبوق بحق الشعب السوري والفلسطيني واللبناني طوال عقود، وهذه المشاعر ايضاً تدغدغ مشاعر الاكراد ايضاً رغم مواقف الزعيم الكردي اوجلان، ومواقفه المتقدمه التي دعمت الحل السلمي والانخراط في الدول التي يعيش فيها الاكراد وخاصةً في تركيا وسوريا والعراق، وتجربة اكراد العراق، كانت مثالا على عدم موافقة المجتمع الدولي على استقلال شمال العراق مما ادى الى اعتزال مسعود البرازاني سدة المسؤولية رغم عدم غيابه تماماً..
في لبنان من الواضح ان القوى اللبنانية كافةً باستثناء حالة حزب الله الشيعية لم تتفهم هذا التغيير الاستراتيجي في رسم صورة الشرق الاوسط، ودول المنطقة ومنها لبنان، حيث يتحدث جميع السياسيين على ضرورة الاستقرار ووقف الحرب وفتح صفحة علاقات جديدة مع دول الخارج وخاصة الاقليمية وضبط الامن في الداخل ومنع وجود مجموعات مسلحة خارجة على القانون مهما كانت الاسباب والدوافع، ولكن مع ذلك لا زال حزب الله واعلام هذا الحزب يحاول تبني قيام دويلات في المنطقة قد يكون لها حصة فيها او تسمح لايران بان تعود لتلعب دوراً اساسياً يعطيها القدرة على ان تكون لاعباً اقليميا كما كانت تأمل.. تحت عنوان حلف الاقليات الذي اطلقه الاسد الاب وتبناه نظام الولي الفقيه الايراني.. رغم الشعارات التي اطلقها عن الوحدة الاسلامية ومواجهة الكيان الاسرائيلي..
المنطقة تتجه نحو الاستقرار، وبالتالي على كافة القوى السياسية كما الدينية ان تعيد النظر بسياساتها ومواقفها، وان تدرك ان المواجهة لن تؤدي الا الى مزيد من القتل والدمار، والحل حينها سوف يكون مفروضاً بقوة الامر الواقع وسلطة المجتمع الدولي الذي تمثله الولايات المتحدة التي تعتبر ان مصلحتها الاقتصادية وحتى السياسية تكمن في ضمان الاستقرار السياسي والامني، وان النمو الاقتصادي والمالي، قد يشكل فرصة لتأمين استقرار سياسي طويل الامد ومقدمة لترسيخ حالة السلام في المنطقة..
نحن امام خيارات واضحة وصريحة وعلينا التصرف بعقلانية تحفظ مستقبل شعبنا ونهوضه من جديد وفوق كل هذا يجب على الجميع التخلي عن مفهوم حلف الاقليات الذي صنعه النظام السوري البائد ومولته ورعته دولة ايران (ولاية الفقيه).. بعد غياب الاسد الاب ومن ثم الابن..