• لبنان
  • الاثنين, تشرين الثاني 17, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 7:20:28 ص
inner-page-banner
مقالات

النداء الأخير... مليار سُني خلف ترامب

سامر زريق ـ نداء الوطن

يبدو سُنة لبنان في وضعية تتعارض مع إيقاع الصعود السني في المنطقة وسياقاته، ولا تنسجم مع إرثهم، وتحول دون قيامهم بدورهم المعوّل عليه كـ "رافعة" نهوض الدولة. ثمة حالة من الانكفاء المعقد ترخي بثقلها وتتجاوز الإطار السياسي لتشمل المجالات الثقافية والاقتصادية وحتى الإبداعية.

كل القضايا والأفكار التي نوقشت خلال السنوات الماضية كانوا خارجها، وبالكاد تفاعلوا عبر مواقف متأخرة تتسم بطابع فردي بحت، من النظام السياسي والمالي، مرورًا بـ "الطائف"، وصولًا إلى العودة نحو "كنف الدولة". أغلب النقاشات والحوارات اليومية تدور حول الماضي، وتنظر إلى المستقبل بعيونه وتحت تأثيره. لذلك غالبًا ما تحضر "الحريرية" ضمن الحلول "النوستالجية". المقارنة بين "الحريرية" وأي حالة ناشئة هي عمليًا وصفة فشل مسبق، كمن يزج بلاعب ناشئ عمره 17 عامًا في المباريات مع كبار اللاعبين، ويريد منه أن يصبح "ليونيل ميسي" خلال أشهر معدودة.

ناهيكم بدور هذه المقارنات في توسيع شقة المظلومية، وهو الداء العضال الذي ابتلي به السُنة بتأثير نظريات المؤامرة التي تخرق الوعي الجمعي، فيصير الجميع متآمرًا، من الدولة والأجهزة الأمنية إلى القوى والمكونات الأخرى. زد عليها تحميل أوزار فقدان المبادرة إلى غياب ديناميات خارجية تشتمل على جميع قوى الأرض الفاعلة، من أميركا وروسيا إلى الدول العربية والإسلامية، من دون إغفال عداوة إيران.

السؤال الذي يطرح نفسه فيعود بلا إجابة مقنعة: كيف يراد دعم السُنة من دون أن يكون ثمة نواة لمشروع سياسي واضح؟

هذا الدعم المفترض يتطلب الإقبال على الدولة، والانفتاح البناء على الفاعلين الخارجيين بعقلية جماعية تسمو فوق مزايدات "الوكالة الحصرية". لا يعني ذلك غياب الحراك والمشاريع السياسية، لكنها لا تزال في طور البدايات، والكثير منها يفتقر إلى العمق المطلوب المرتكز على بناء تحالفات مع قواعد ومراكز قوى اجتماعية لتكوين قاعدة صلبة.

ولأن الطبيعة تأبى الفراغ، فإن الانكفاء السُني عن الحيّز العام يفسح المجال أمام القوى الداخلية والخارجية لملء الفجوة بما يناسب أجنداتها، إلى جانب دفع حركات الإسلام السياسي إلى صدارة المشهد، وخصوصًا تلك التي يعاد تأطيرها وتقديمها بشكل حداثي جذاب.

خلال السنوات الماضية، تدثرت النخب السُنية بشعار "الطائف" جامدًا، دون سياسات ومراجعات لتجاوز بعض الإشكاليات الناجمة عن الممارسات المعوجّة التي حوّلت "الفراغ" إلى أداة نظامية. وحينما حوّل الرئيس نواف سلام "الطائف" إلى فلسفة حكم لم يجد الدعم الكافي. ومع غياب النبض السُني، صارت قيم الصراع بين الدولة والدويلة أقرب إلى صورة صراع بين المسيحيين والشيعة.

في "خطاب القسم"، قال رئيس الجمهورية إنه يبحث عن شركاء للإسهام في استنهاض الدولة، وعاد وأكد هذا الموقف غير مرة. في حين يهمس في الآونة الأخيرة في الأوساط السنية أن العهد امتداد لسلفه، وخصوصًا من ناحية النظرة السلبية تجاههم. لكن هل جرّب أحد بناء شراكة ندية مع بعبدا، أو اختبار مدى جديتها في ذلك؟

وعليه، فإن غياب النبض السني اللازم يضعف زخم مبادرة الدولة التفاوضية، في الوقت الذي تشكل فيه فرصة ذهبية لإحداث خرق في حالة الانكفاء العام، من خلال تكوين غطاء صلب وداعم لعملية استرجاع الدولة قرارها السيادي، ولا يوجد مبرر لعدم استثمار هذه الفرصة.

في قمة "شرم الشيخ"، وقف مليار سني خلف مبادرة ترامب لإيقاف النزيف في غزة، واسترداد القضية الفلسطينية من الملالي، من الضمانة الثلاثية لتركيا ومصر وقطر، إلى الغطاء الداعم من السعودية والإمارات وباكستان وإندونيسيا وغيرها، وبعضها شريك في ترتيبات اليوم التالي. وبعد الزيارة التاريخية التي أجراها الرئيس السوري أحمد الشرع إلى البيت الأبيض، وإعلان توم برّاك انضمام دمشق إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وتسميته إيران وأركان محورها، صار الأمر أكثر دقة ومدعاة لزخم سني دولتي يعضد مسار إخراج البلاد من دائرة الصراع في المنطقة، وضمان عدم تحولها إلى ملعب بين ساحتين سورية وإسرائيلية.

فإذا كان ضم سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة إيران أداة ضغط في المرحلة الأولى، فإن ذلك لا يلغي إمكانية تكليفها بممارسة ضغط عسكري مستقبلًا على "حزب الله" في المناطق الحدودية وجوارها القريب، مقابل حوافز سياسية واقتصادية يصعب رفضها. هذا التطور بموازاة ارتفاع حدة الضغوطات الدولية والعربية يمكن اعتباره بمثابة النداء الأخير للسنة قبل غيرهم من أجل دفع الدولة نحو الالتحاق بركب قطار "ترتيبات المنطقة" الذي صعد إليه أحمد الشرع، لأن ثمن انتظار قطار آخر سيكون قاسيًا جدًا.

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة