داود رمال ـ نداء الوطن
في سابقة غير معهودة في تاريخ الخطاب السياسي اللبناني، أطلّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون من اليرزة في عيد شهداء الجيش، بخطاب بدا من أولى كلماته حتى خاتمته وكأنه صيغ على نار وطنية هادئة ولكن عميقة، بعد نقاشات مكثفة حول الأهداف والجمهور المستهدف والتوقيت. لم يكن الخطاب مناسبة تقليدية لتوجيه تحية رمزية للجيش والشهداء، بل تحوّل إلى ما يشبه خطاب قسم ثانيًا، فيه من الوضوح والجرأة والشفافية ما يضعه في مصاف المحطات المفصلية في الذاكرة السياسية الوطنية.
الخطاب بدا وكأنه مراجعة شاملة لما جرى خلال الأشهر السبعة الأولى من عمر العهد الرئاسي، لم يُغفل تفصيلًا ولا قضية. كشف عمق المتابعة ودقة التشخيص، ولامس كل الملفات من دون مواربة، بدءًا من الأمن والجيش، مرورًا بالقضاء، وصولًا إلى السلاح غير الشرعي، والمغتربين، والانتخابات، والفساد، والتفاوض، والعدالة الاجتماعية. كان واضحًا أن الرئيس عون وجّه رسائله للشعب اللبناني بأسره، لكنه خصّ الجمهور الشيعي بمخاطبة مباشرة وغير مسبوقة، أراد منها إزالة كل الالتباسات التي رافقت المرحلة الممتدة منذ إعلان وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني 2024.
العبارة المركزية التي طبعت الخطاب وارتكزت عليها مجمل الرسالة كانت، أيها اللبنانيون، والشيعة خاصة، الجيش هو من يحميكم، لا أحد غيره. كرامتكم محفوظة كما جميع اللبنانيين، لأننا جميعًا سواسية تحت سقف القانون والدستور. لم يكن الأمر مجرد طمأنة بل تأكيد على أن زمن الوصايات انتهى، وأن الدولة الواحدة بقضائها وجيشها ومؤسساتها هي الضامن الوحيد للحقوق والحريات.
رئيس الجمهورية لم يكتفِ بالمصارحة حول دور الجيش، بل قدّم نفسه كحَكَمٍ عادل بين اللبنانيين، يمارس صلاحياته الدستورية بشفافية، داخليًا وخارجيًا. أكد أنه لم يسعَ إلى مكاسب سياسية بل إلى عدالة متوازنة، تضمن الحقوق وتضع حدًا للتمييز والمحسوبيات. وفي مقاربة لملف الفساد، رفض عون الاكتفاء بالشعارات، مشددًا على أن الحملة الحقيقية تبدأ من استقلالية القضاء، فبدون قضاء نزيه، لا مكافحة فساد، ولا دولة.
أما في الشق السياسي – الانتخابي، فحرص الرئيس على سحب فتيل التوتر، فأعلن بوضوح أن موضوع "حصرية السلاح" لن يكون ورقة للاستثمار الانتخابي في الاستحقاق النيابي المقبل، لأنه سيكون قد حسم، كما وجّه رسالة مزدوجة للمغتربين مفادها أن لا مساس بحقوقهم الانتخابية، تمامًا كما المقيمين، في محاولة لإعادة الوصل بين الداخل والانتشار.
وفي أقوى خلاصة للخطاب، حدد الرئيس السقف الزمني للانتقال من التفاوض إلى القرار، مانحًا مهلة حتى الثلاثاء المقبل، حيث جلسة مجلس الوزراء المخصصة للبت النهائي بحصرية السلاح، للتموضع النهائي على قاعدة ثلاثية لا مساومة عليها: وقف القتل، إعادة الإعمار، وضمان الحماية لكل اللبنانيين، وتحديدًا الشيعة، على أن يكون ذلك بالتوازي مع تقوية الجيش وإقفال ملف السلاح خارج الدولة نهائيًا وبلا رجعة.
هكذا، ومن على منبر المؤسسة العسكرية، قال رئيس الجمهورية كلمته بوضوح وصراحة غير مسبوقين. وللمرة الأولى، يُصارح مسؤول لبناني في موقع رئاسي أول شعبه بكل التفاصيل، من دون أقنعة ولا كفوف، واضعًا الحقيقة برمتها أمام الرأي العام. خطاب اليرزة لم يكن مجرد مناسبة وطنية، بل إعلان بداية مرحلة جديدة… عنوانها: القرار الوطني الجريء.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..