• لبنان
  • الخميس, تموز 31, 2025
  • اخر تحديث الساعة : 3:29:12 ص
inner-page-banner
مقالات

"لبنانية" أميركا و "شيعية" السلاح

رفيق خوري ـ نداء الوطن

مرحلة الامتحانات الخطية المتبادلة بين أميركا ولبنان انتهت إلى لا شيء، لكنها كشفت أشياء كثيرة. ما انتهت إليه هو نوع من مسرح العبث حول سلاح "حزب اللّه": الطرف القويّ المصرّ على الإسراع في سحب السلاح يترك المهمّة للطرف الضعيف المتخوّف من المواجهة ومضاعفاتها الأمنية والسياسية والعاجز عن إقناع صاحب السلاح بالتخلّي عنه بالحوار.

وأقلّ ما كشفته هو ثلاثة أمور في ظلّ الرهانات على دور جديد للبنان ضمن مسار التحوّلات المتسارعة في المنطقة.

الأول هو أوهام اللبنانيين حول ضمانات أميركية في إطار الضغوط لسحب الاحتلال الإسرائيلي من التلال الخمس ومزارع شبعا، وإجبار حكومة نتنياهو على وقف الاعتداءات والخروق للاتفاق على تطبيق القرار 1701. إذ سمعوا الموفد الأميركي توم برّاك يقول بصراحة: "أميركا لا تستطيع إرغام إسرائيل على القيام بأيّ شيء وليست هنا لإرغامها على ما لا تريد".

والثاني هو تصوّر إدارة الرئيس دونالد ترامب أنّ الحكم الجديد في لبنان قادر مثل الإدارة الجديدة في سوريا على إخراج النفوذ الإيراني من البلد والتفاوض على ما يتجاوز اتفاق الهدنة مع إسرائيل.

والثالث هو الطريقة المواربة التي أدار بها المسؤولون لعبة التفاوض مع أميركا من خلال رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة ولجنة المستشارين من دون أيّ دور لمجلس الوزراء الذي هو مركز السلطة والقرار ومن دون إطلاع المجلس النيابيّ على أيّ شيء.

ومختصر ذلك هو القول لكلّ من يسأل في الداخل والخارج عن حصرية السلاح: راجعوا خطاب القسم والبيان الوزاري.

وليس من المفاجآت أن يرفع "حزب اللّه" سقف الرفض القاطع للتخلّي عن سلاحه. ولا أن يرى في مخاطر داعش والقاعدة السلفية الجهادية في سوريا بالإضافة إلى الخطر الإسرائيلي أسبابًا تقوّي حجة الرافضين لتسليم السلاح. المفاجأة هي في الاعتراف بإعطاء "هوية شيعية" للسلاح والقول إنّ من مهام السلاح حماية الشيعة من "تهديد وجوديّ". لكنّ ربط الشيعة بسلاح "حزب اللّه" هو في الحدّ الأدنى نوع من تصغير دور الشيعة وموقعهم في التركيبة اللبنانية. لا بل نوع من تجاهل الدور المهمّ للإمام موسى الصدر في تنظيم الموقع الشيعي إلى جانب المواقع اللبنانية الأخرى. فلا مخاوف الشيعة الجديدة بعد القديمة مختلفة عن مخاوف اللبنانيين في كلّ الطوائف ولدى العلمانيين العابرين للطوائف. ولا تهديد الوجود الشيعي في لبنان سوى جزء من تهديد الوجود اللبناني كلّه.

ذلك أنّ الأكثريّة في الداخل وأكثرية الدول والقوى في الخارج تطالب بسحب السلاح بسبب خطورته خارج السلطة الشرعية، لا بالانتقاص من دور الشيعة في المجتمع والدولة. حتّى من هم على خصومة أو عداء مع "حزب اللّه" والذين يضعونه في خانة "المنظمة الإرهابية"، فإنهم ليسوا خصومًا للشيعة. أهل الداخل هم شركاء للشيعة في الوطن النهائيّ لجميع أبنائه. وأهل الخارج يريدون أفضل العلاقات مع الشيعة. فضلًا عن أنّ مواجهة أيّ خطر يهدّد لبنان، سواء أكان خطرًا إسرائيليًا واقعًا أم خطرًا أصوليًا سلفيًا مفترضًا وحتى مرجّحًا، هي مهمة الدولة بجيشها وقواها الأمنية، لا مهمة أيّ طرف.

فاليوم ليس الماضي. "حزب اللّه" أدّى دورًا مهمًا في تحرير الجنوب من إسرائيل في ظروف غياب الدولة وسطوة الوصاية السورية والوصاية الإيرانية، لكنّ الوقت حان لتسليم قرار الحرب والسلم للدولة. وقبل "المقاومة الإسلامية" كانت المقاومة الوطنيّة التي ضمّت أحزابًا وطنية عابرة للطوائف جرى دفعها إلى إخلاء الساحة من أجل انفراد "حزب اللّه" بالمقاومة.

والمسألة في البداية والنهاية هي لبنان ومستقبله ومصيره. لبنان الذي دقّت الساعة لفكّ ارتباطه بحرب دائمة ليس تحرير فلسطين سوى فصل واحد من فصولها المتعدّدة لإكمال المشروع الإيراني الكبير الذي يواجه الانحسار حاليًا.

لبنان الذي يحدّد العرب والغرب خياره بين أمرين: السلاح وإكمال الحرب التي دفع ثمنها باهظًا، أو إعادة الإعمار والاستثمارات والمساعدات والنهوض الاقتصادي. وليس هناك خيار آخر.

وإذا كان بسمارك يقول "إنّ الحرب الوقائية مثل الانتحار خوفًا من الموت"، فإنّ الحرب الدائمة في لبنان مثل الانتحار تحت عنوان "الشهادة أو النصر" في معارك محكومة بالخسارة.

ولعلّنا في حاجة إلى نصيحة الزعيم دينغ شياو بينغ: "عبور النهر مع تلمّس الصخور".

بوابة صيدا

الكاتب

بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..

مدونات ذات صلة