بقلم نادر البزري ـ بوابة صيدا
في السادس والعشرين من تموز 2025، رحل عن عالمنا زياد الرحباني، ورحل معه زمنٌ كامل.
لم يكن مجرد موسيقي، ولا مجرد كاتب مسرحي، ولا ابن فيروز وعاصي فقط. كان زياد، ببساطة، صوتَ كل من لم يجد صوتًا.
كان المرآة الساخرة التي وضعت الوطن أمام حقيقته دون رتوش، واللحن الغاضب الذي قاوم السقوط بالحب، والسخرية، والجنون الجميل.
زياد الذي عرفناه، عرفناه أول مرة حين كتب لـ أمه فيروز: "سألوني الناس عنك يا حبيبي"، وهو لم يزل في السابعة عشرة. كانت تلك الكلمات أول إعلان لولادة نغمة مختلفة في الموسيقى اللبنانية. ثم توالت الأعمال: لحنًا، نصًا، مسرحًا، تمردًا.
كان زياد يشبهنا في وجعنا، ويشبهنا في خوفنا، ويشبهنا في أحلامنا الصغيرة التي لا تتحقق. كان عصب بيروت المتمرد، صوت شوارعها، مقاهيها، حاناتها، ولهجتها المكسورة والمتمردة في آن.
الراحل الذي لم يهادن لم يكن زياد فنانًا حياديًا. حمل موقفًا في السياسة والفكر والدين والطبقة. خاض الحروب على المسرح بجرأة لم يمتلكها غيره.
في مسرحياته – "نزل السرور"، "فيلم أميركي طويل"، "بالنسبة لبكرا شو؟" – واجهنا زياد بحقيقتنا المرة. لم يجامل، لم يزين الخراب، ولم يعترف بخطوط حمراء. حتى الموسيقى عنده كانت ساحة معركة بين الشرق والغرب، بين الجاز والمقام، بين الصمت والصرخة.
زياد الإنسان كان معجونًا بالحب والخذلان، بالوضوح والغموض، بالهزل العميق. لم نكن نعرف متى يمزح ومتى يتكلم بجد. وربما كان ذلك سرّه.
أحب زياد الناس العاديين، أولاد الحي، الطيّبين، الحزانى، المقهورين. كتب لهم ومنهم. حتى حواراته السياسية والإعلامية كانت تمثّل حالة ثقافية بحد ذاتها، تمزج الذكاء الحاد بالسخرية الحارقة، وتفتح نوافذ لا تُغلق بسهولة.
الفراغ الذي لا يُملأ برحيله، ينطفئ ضوءٌ آخر في هذا البلد المتعب. يرحل رجلٌ لم يتكرر. لم يكن يطلب تصفيقًا ولا شهرة، بل فقط أن نستمع. ومع ذلك، كانت كلماته تُردد في البيوت، وتُدرّس في الجامعات، وتُغنّى في كل مكان من دون إذن ولا إعلان.
الوجدان ها نحن اليوم، نحمل نعشه بالكلمات والدموع. لا نرثي فنانًا فقط، بل نرثي زمنًا كان فيه للفن صوت، وللتمرد معنى، وللسخرية وظيفة.
لن يكون بعدك زيادٌ آخر. وحدك كنت أنت، ولا أحد يستطيع أن يكونك.
وداعًا يا ابن فيروز، يا ابن الوطن، يا ابن الناس، يا ابن الحنين.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..