محمد عياش الكبيسي
منذ 7 أكتوبر وإلى اليوم أتابع مواقف العلماء والخطباء وفتاواهم فأجدهم منقسمين على قسمين رئيسين:
1 - مؤيد لحماس بحكم انتمائه وتوجهه، وهذا قد أعدّ نفسه (خطيب المعركة)، واجبه الأساس (التحريض على القتال) و تزكية (أصحاب القرار) والغض عن أي خطأ يقع منهم مهما كان في الدين نفسه، وتحميل خصوم حماس التقليدين (الأنظمة العربية) كل ما يجري لأهل غزة من قتل وتشريد وتجويع.
2 - معارض لحماس بحكم انتمائه وتوجهه المغاير، وهذا لا يرى بالجملة حسنة لحماس لأنه يرفض من الأصل شرعيتها في اتخاذ القرارات، لأنها عنده لا تمثل الشعب الفلسطيني وليس لها (ولاية الأمر) على فلسطين وأهلها.
وفي تقديري أن واجب العلماء ينبغي أن يتجاوز هذه الثنائية القاتلة، فالكلام عن (شرعية القرار) لم يعد مجديا، لأن الواقع الآن تجاوزه كليا، وهناك عشرات النوازل الواقعية الآن التي ترتبت على هذا القرار وحيثياته، وهي بحاجة إلى بيان الموقف الشرعي العملي، ومن ذلك مثلا:
1 - ما واجب الشعب الفلسطيني نفسه في الضفة وفي الـ 48 والقدس تجاه ما يجري في غزة؟ وهؤلاء هم أولى بالنصرة، ولماذا تتحمل غزة وحدها تبعات الجهاد والترغيب بالاستشهاد؟ ومساحة قطاع غزة كله لا يساوي 2 بالمائة من مساحة فلسطين المحتلة؟ وهذا يعني أن الكتلة الصلبة المؤمنة بمشروع المقاومة هذا في فلسطين لم تتجاوز القطاع الذي تسيطر عليه حماس وتفرض عليه منهاجها التربوي والتعبوي، إلا بنطاق محدود جدا في بعض مدن الضفة.
2 - ما هي السبل الكفيلة بنجدة الجياع في غزة من قبل الشعوب المجاورة مثل (مصر والأردن) دون أن نحدث فوضى في هذه البلاد تجعلنا نخسر أكثر وندخل في سلسلة من الكوارث لها أول وليس لها آخر. وربما لا يستفيد منها إلا الأعداء المتربصون.
3 - إلى أي مدى يمكن لقيادة حماس أن تتنازل عن شروطها المتعلقة بوضع القطاع بعد الحرب إذا تعين هذا التنازل سببا في إنهاء الحرب وإنقاذ الأرواح؟ وما الحدود الشرعية في ذلك؟
4 - كيفية معالجة الآثار العقدية والثقافية الخطيرة التي خلفها مشروع (وحدة الساحات) والذي أطلق عليه قادة حماس (فسطاط الإيمان)، والذي لم يبق منه اليوم سوى من تسميهم حماس (إخوان الصدق) وهم عصابة الحوثي التي تختطف شطرا من اليمن الحبيب وتعبث فيه فسادا وخرابا.
5 - لقد تبنى بعض (المشايخ) خطاب تنزيل الأخبار الغيبية على هذه النازلة، وراحوا يؤكدون أن نتيجة المعركة محسومة بنصوص الوحي المقدس و (بكل تأكيد) وهنا على العلماء بحث مدى مشروعية مثل هذا التنزيل، وماذا سيكون جوابهم لو جاءت النتائج بخلاف ذلك - لا قدر الله - فأي فتنة هذه؟ والله تعالى يقول (والفتنة أكبر من القتل) والفتنة معناها هنا الفتنة عن الدين، والتشكيك فيه.
إن واجب العلماء والحكماء أن يبحثوا عن الحل، وليس عن تسجيل المواقف التي تصفق لها الجماهير، أو تصفق لها السلاطين.
وللأمانة فإن ما أصدره يوم أمس فقيه غزة والوزير السابق في حكومة حماس والذي لازال مرابطا فيها، الشيخ الدكتور سلمان بن نصر الداية يعد محاولة شجاعة بغض النظر عن التفاصيل والتي هي بكل تأكيد قابلة للنقاش والتعديل، لكن الرجل على الأقل قد خرج من إطار (تسجيل المواقف والمواقف المضادة) أو (تطبيل المحب وتشكيك الكاره) إلى تلمس طريق الحل العملي الذي ينقذ الأرواح ويوقف هذا النزيف.
اللهم ارفع هذه الغمة عن أهلنا في غزة
اللهم من أراد خيرا بأهل غزة فوفقه لكل خير
ومن أراد بهم سوءا فاقصم ظهره وأرح الناس من شره.
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..