د. صريح صالح القاز
غدًا، سيتفاوض الرئيس "ترامب" مع الرئيس "بوتين" في "ألاسكا" حول إيقاف الحرب في أوكرانيا ولو من خلال تبادل أراضٍ أوكرانية - أوكرانية بين روسيا وأوكرانيا حسب الطرح الأميركي.
لكن أليس من الأجدى بترامب، وهو المشهور بحب الصفقات وتقلباته واضطراب قراراته وسرعة انسحابه من المؤسسات والاتفاقيات الدولية، أن يتفاوض معه بدلًا من ذلك حول إعادة ربع أو ثلث "ألاسكا" ذات الأصل الروسي، التي تعادل مساحتها ثلاثة أضعاف أوكرانيا، إلى روسيا المتاخمة لها؟ وهي الولاية التي اشترتها الولايات المتحدة من روسيا ذات يوم بثمن بخس بلغ 7.2 مليون دولار، أي ما يعادل اليوم نحو 21% من ثمن صاروخ "سارمات" الروسي. لعل ذلك يساعده على حل الصراع ويكرّس صورته، كما يحلو له، (رجل سلام استثنائي).
على كل حال، لا يبدو أن نتائج هذه المفاوضات ستكون مشجعة.
والسبب؟ لأن الفجوة كبيرة بين الفرقاء جميعهم.
بوتين متمسك بقوة بما تحقق على الأرض ويريد الاعتراف بسيادة روسيا عليها، إلى جانب شروط أخرى تعتبرها أوكرانيا وأوروبا مجحفة.
زيلينسكي طالما صرح بأن أوكرانيا لن تتنازل عن أي من أراضيها ولن تعترف بسيادة روسيا على أي منها، بما فيها جزيرة القرم.
عدد من الدول الأوروبية الفاعلة تشارك أوكرانيا نفس الطرح، لشعورها بأن أي تنازلات جيوعسكرية لروسيا في أوكرانيا سيفتح شهيتها لابتلاع المزيد من الأراضي الأوروبية في السنوات القادمة، بدءًا من دول البلطيق بحجة حماية الناطقين بالروسية، واعتقادًا منها بأن مشروع الرئيس بوتين هو نفسه كما بدأ يراد له أن يستمر: استعادة الأراضي التي كانت جزءًا لا يتجزأ من الإمبراطورية الروسية أو الاتحاد السوفيتي سابقًا.
فضلاً عن ذلك، هو إدراك الدول الأوروبية أن روسيا أطلقت يدها وكرست جهودها نحو التصنيع العسكري، وباتت تصنع خلال الشهر الواحد من الدبابات والأسلحة والذخائر المختلفة ما قد تصنعه دول أوروبا مجتمعةً في عام كامل. وزد على ذلك فتح باب التجنيد العسكري حتى لمناطق ودول غير روسية.
هنا، ربما يكون اندفاع أمريكا نحو المفاوضات مع روسيا بشأن الحرب في أوكرانيا مجرد إسقاط واجب ترى واشنطن أنه لابد من القيام به أمام حلفائها التقليديين، الذين ما زالت تربطها بهم علاقات ومصالح عديدة، وتحديدًا داخل حلف الناتو.
ولو أن ترامب وإدارته الذين يرفعون شعار "أمريكا أولًا" على قناعة مسبقة بأن المفاوضات لن تسفر عن شيء، فإنهم رأوا أن إجراء مثل هذه المفاوضات أمر لابد منه وبخاصة حين يطرح ترامب على زيلينسكي مقترحات ما للتسوية ويقوم الأخير برفضها، لتتمكن واشنطن من الزعم أن زيلينسكي هو من أفشل المفاوضات وهو من لا يريد إيقاف الحرب، ومن ثم تتمكن من تخفيف العبء المعنوي والمالي والعسكري عنها تجاه هذه الحرب من جهة، والتقارب من بوتين وروسيا من جهة أخرى.
لغة ترامب وتصرفاته تدل على أن حرصه على إحلال السلام في أوكرانيا ليس من أجل السلام ذاته، بل من أجل أن تكون أوكرانيا بيئة للمقايضة الأمريكية-الروسية في ملفات أخرى، مثل القوقاز، وإيران، وفلسطين، وسوريا.
ومن أجل أن يخلق السلام المنشود، إذا تحقق، بيئة مستقرة في أوكرانيا، تتمكن معها أمريكا من مباشرة العمل في استخراج المعادن النادرة التي سبق أن أبرمت الاتفاق بشأنها مع أوكرانيا، عقب السجال الذي دار بين زيلينسكي وترامب داخل البيت الأبيض في الفترة السابقة.
لذا لا غرابة، إذًا، في حال أن المفاوضات الأمريكية-الروسية بشأن إيقاف الحرب فشلت، أن ينخرط ويتشعب ترامب مع بوتين في مواضيع وجوانب أخرى، لجهة اتفاقيات "ستارت"، وليس بعيدًا أن يذهب إلى التفاوض حول الاستثمارات الأمريكية في روسيا مقابل تخفيف أو رفع العقوبات عنها في ضوء كما أسلفنا شعار "أميركا أولا".
بوابة صيدا موقع إخباري متنوع ينطلق من مدينة صيدا ـ جنوب لبنان، ليغطي مساحة الوطن، والأمة العربية، والعالمين الإسلامي والغربي.. يقدم موقع (www.saidagate.com) خدمة إخبارية متنوعة تشمل الأخبار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإسلامية، والمقالات المتنوعة.. تقوم سياسة الموقع على الحيادية، والرأي والرأي الآخر، يستقي الموقع أخباره، من تغطيته للأحداث، ومن وكالات الأنباء العربية والعالمية..